ابنوا لي بيتا في الأرض يعوذ به من سخطت عليه من بني آدم ، فيطوفون حوله كما فعلتم بعرشي فأرضى عنهم ، فبنوا الكعبة.
وفي هذه الرواية اختصار بدليل ما قيل : وضع الله تحت العرش البيت المعمور على أربع أساطين من زبرجد ، يغشاهن ياقوتة حمراء ، وقال للملائكة : طوفوا بهذا البيت أي : لأرضى عليكم. ثم قال لهم : ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره ـ أي : ففعلوا ـ ، وقدره عطف تفسير على بمثاله ، فالمراد بالمثال : القدر.
وفي لفظ : لما قال الله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] وقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ...) الآية [البقرة : ٣٠] خافوا أن يكون الله عابها عليهم لاعتراضهم في علمه ، فطافوا بالعرش سبعا يسترضون ربهم ويتضرّعون إليه ، فأمرهم أن ينبوا البيت المعمور في السماء السابعة وأن يجعلوا طوافهم به ، فكان ذلك أهون عليهم من الطواف بالعرش. ثم أمرهم أن يبنوا في كل سماء بيتا ، وفي كل أرض بيتا.
قال مجاهد : هي أربعة عشر بيتا متقابلة ، لو سقط بيت منها لسقط على مقابله ، والبيت المعمور في السماء السابعة ، وله حرمة كحرمة مكة في الأرض ، واسم البيت الذي في سماء الدنيا : بيت العزة.
وفي كلام بعضهم : في كل سماء بيت تعمره الملائكة بالعبادة ؛ كما يعمر أهل الأرض البيت العتيق بالحج في كل عام ، والاعتمار في كل وقت ، والطواف في كل أوان.
قال الحلبي في السيرة (١) : ولينظر ما معنى بناء الملائكة للبيوت في
__________________
(١) السيرة الحلبية (١ / ٢٤١ ـ ٢٤٣).