الطرق في مبدأ ولايته مخوفة ، والطرق كلها غير مألوفة ، فمذ بسط الله بساط الأمان بولايته ألزمهم بحراسة المواطن في هذه الأماكن حتى أصلح الله حال العباد ، ونادى منادي الأمن بالبشرى والفلاح ، فاطمأنت النفوس بإقامة هذا الناموس ، فشكر سعيه في هذه المآثر الحميدة ، وحمد فعله في هذه المعدلة الظاهرة المجيدة ، وكثرت حجاج بيت الله العتيق وضربوا إليه آباط الإبل من كل فج عميق ، فيرون من الأمن ما كانوا يسمعون بها عيانا ، فيستخيرون الله أن تكون بلدا لهم سكنا وأهلها إخوانا ، وكانوا بعد الحج يرحل كل إلى بلده ، فلما تولى مكة وشاع ذكره رغب كل أحد في المجاورة ، وصارت مصرا من الأمصار حتى امتلأت جبالها بالبناء ، مع أنه كان قبل ذلك تنزل [الظباء](١) إلى المسجد الحرام من قلة الناس ، كما ذكره القطب (٢).
وقد ذكر رفاعة في الجغرافية : أن في مدة محمد علي باشا كانوا سكان مكة ثمانية آلاف ، وأما زمن صاحب الترجمة رحمهالله ونجله سيدنا الشريف عبد الله أدامه الله فنحو مائة ألف وزيادة ، وكل ذلك بسبب أمن الرعية ، كما ذكره ابن خلدون في مقدمة تاريخه : أن سبب كبر الأمصار أمن الحكام. اه.
وبنى صاحب الترجمة بيته بسوق الليل ، وكان ابتداء العمل سنة [ست](٣) وخمسين ، واقتنى من العبيد والعقار من غير ظلم أحد في ماله ،
__________________
(١) في الأصل : الذئاب. والتصويب من الإعلام.
(٢) الإعلام (ص : ١٢).
(٣) في الأصل : ستة.