ورموه بها فضاق صدره فانزل الله عليه : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ) (٣) ثمَّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ) (٤) فألزم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) نفسه الصبر فتعدّوا فذكروا الله تبارك وتعالى وكذّبوه فقال : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي فأنزل الله عزّ وجل : ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) (٥) فصبر في جميع أحواله ، ثمّ بشر في عترته بالأئمة ( عليهم السلام ) ووصفوا بالصبر فقال جلّ ثناؤه : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٦) فعند ذلك قال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : الصبر من الإِيمان كالرأس من الجسد ، فشكر الله ذلك له فأنزل الله ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (٧) ) (٨) فقال : إنّه بشرى وانتقام ، فأباح الله له قتال المشركين فأنزل الله ( اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) (٩) ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) (١٠) فقتلهم الله على يدي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة ، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر الله له عيناه في أعدائه مع ما يُدّخر له في
__________________
(٣) الحجر ١٥ : ٩٧ ، ٩٨.
(٤) الانعام ٦ : ٣٣ ، ٣٤.
(٥) طه ٢٠ : ١٣٠.
(٦) السجدة ٣٢ : ٢٤.
(٧) العرش : بناء من خشب ، والعريش ما يستظل به ، أُنظر ( الصحاح ـ عرش ـ ٣ : ١٠١٠ ).
(٨) الأعراف ٧ : ١٣٧.
(٩) التوبة ٩ : ٥.
(١٠) البقرة ٢ : ١٩١.