سنرى ، ثم بعد الأمر بتذكر النعم وتذكر التفضيل وبعد الأمر بتوقي عذاب اليوم الآخر تتجه الفقرة إلى تذكيرهم بنعم الله الكبرى عليهم واحدة فواحدة ، وكل نعمة تذكر ، يصدر التذكير بها بقوله تعالى (وَإِذْ) فيكون التقدير : واذكروا إذ ، فحيثما وردت (إِذْ) فيما يأتي فإنها أمر بتذكر نعمة. ومن ثم فما بقي من الفقرة فهو أمر بتذكر النعم تفصيلا بعد الأمر بتذكرها إجمالا والملاحظ أن بعض النعم التي ذكروا بها كانت من نوع قبول التوبة بعد انحراف خطير يذكر ، وأن بعضها ذكر وذكر ما رافقه من انحراف ، فكان ذلك كله تمهيدا لاستحقاقهم العقوبة الأبدية لهم وهي :
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) : والتي لا مخرج لهم منها إلا بمتابعة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفي ذلك كله دروس لهذه الأمة تحذرها من أن تفعل ما فعلوا :
١ ـ (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.)
يقول تعالى : اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ خلصتكم وأنقذتكم من أيدي فرعون وقومه ، وقد كانوا يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب بذبح الأبناء وإبقاء البنات للخدمة ، وفي ذلك تعريض العرض للفتنة وفي ذلك محنة عظيمة لكم فتذكروا الخلاص منها. (والآل) بمعنى : الأهل ، وخص استعماله بأولي الخطر ، كالملوك وأشباههم ، وفرعون علم على من ملك مصر قديما ككسرى لملك الفرس ، وسامه بمعنى : أولاه. وسوء العذاب : أشده وأفظعه. والبلاء : يطلق على النعمة والنقمة على حسب تقدير اشتقاقه ، وههنا يصلح للوجهين فإن أشير به إلى صنع فرعون كان المراد به المحنة ، وإن أشير به إلى الإنجاء كان نعمة ، وجمهور المفسرين على أن البلاء هنا المراد به المحنة.
٢ ـ (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أمروا بتذكر هذه النعم استقلالا ، مع أنها جزء من نعمة الخروج من مصر ، لما في كل منها من نعمة عظيمة ، يذكرهم تعالى كيف أنه بعد أن أنقذهم من آل فرعون وخرجوا مع موسى خرج فرعون في طلبهم ففرق الله بهم البحر فخلصهم منهم وحجز بينهم وبينه وأغرقه مع من معه وبنو إسرائيل ينظرون ، ليكون ذلك أشفى لصدورهم وأبلغ لإهانة عدوهم. ومعنى (فَرَقْنا) فصلنا بين بعض وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم