بتقديم الراء على الزاي ، والماجان : وهما نهران كبيران حسنان يخترقان شوارعها ومنهما سقي أكثر ضياعها ، وقال إبراهيم بن شمّاس الطالقاني : قدمت على عبد الله بن المبارك من سمرقند إلى مرو فأخذ بيدي فطاف بي حول سور مدينة مرو ثم قال لي : يا إبراهيم من بنى هذه المدينة؟ قلت : لا أدري يا أبا عبد الرحمن ، قال : مدينة مثل هذه لا يعرف من بناها! وقد أخرجت مرو من الأعيان وعلماء الدين والأركان ما لم تخرج مدينة مثلهم ، منهم : أحمد بن محمد بن حنبل الإمام وسفيان بن سعيد الثوري ، مات وليس له كفن واسمه حيّ إلى يوم القيامة ، وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك وغيرهم ، وكان السلطان سنجر بن ملك شاه السّلجوقي مع سعة ملكه قد اختارها على سائر بلاده وما زال مقيما بها إلى أن مات وقبره بها في قبّة عظيمة لها شباك إلى الجامع وقبتها زرقاء تظهر من مسيرة يوم ، بلغني أن بعض خدمه بناها له بعد موته ووقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن ويكسو الموضع ، وتركتها أنا في سنة ٦١٦ على أحسن ما يكون ، وبمرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور ، وأقمت بها ثلاثة أعوام فلم أجد بها عيبا إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم منه في شدة عظيمة قلّ من ينجو منه في كل عام ، ولو لا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات لما في أهلها من الرّفد ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها ، فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة ، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني أو عتيق بن أبي بكر وكان فقّاعيّا للسلطان سنجر وكان في أول أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو ثم صار شرابيّا له وكان ذا مكانة منه ، وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها ، والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب ، وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته ، ومات المستوفي هذا في سنة ٤٩٤ ، وكان حنفيّ المذهب ، وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته وخزانتان للسمعانيين وخزانة أخرى في المدرسة العميدية وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها والخزائن الخاتونية في مدرستها والضميرية في خانكاه هناك ، وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلّد وأكثر بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها ، وأنساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد ، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن ، وكثيرا ما كنت أترنّم عند كوني بمرو بقول بعض الأعراب :
أقمريّة الوادي التي خان إلفها |
|
من الدهر أحداث أتت وخطوب |
تعالي أطارحك البكاء فإننا |
|
كلانا بمرو الشاهجان غريب |
ثم أضفت إليها قول أبي الحسين مسعود بن الحسن الدمشقي الحافظ وكان قدم مرو فمات بها في سنة ٥٤٣ :
أخلّاي إن أصبحتم في دياركم |
|
فإني بمرو الشاهجان غريب |
أموت اشتياقا ثم أحيا تذكّرا ، |
|
وبين التراقي والضلوع لهيب |
فما عجب موت الغريب صبابة ، |
|
ولكن بقاه في الحياة عجيب |