زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) (الآية) ، ولما خرج رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، من مكة وقف على الحزورة قال : إني لأعلم أنك أحبّ البلاد إليّ وأنك أحب أرض الله إلى الله ولو لا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت ، وقالت عائشة ، رضي الله عنها : لو لا الهجرة لسكنت مكة فإني لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة ، وقال ابن أم مكتوم وهو آخذ بزمام ناقة رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وهو يطوف :
يا حبّذا مكة من وادي ، |
|
أرض بها أهلي وعوّادي |
أرض بها ترسخ أوتادي ، |
|
أرض بها أمشي بلا هادي |
ولما قدم رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول :
كلّ امرئ مصبّح في أهله ، |
|
والموت أدنى من شراك نعله |
وكان بلال إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة |
|
بفخّ وعندي إذخر وجليل؟ |
وهل أردن يوما مياه مجنّة ، |
|
وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ |
اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة!
ووقف رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، عام الفتح على جمرة العقبة وقال : والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إليّ ولو لم أخرج ما خرجت ، إنها لم تحلّ لأحد كان قبلي ولا تحلّ لأحد كان بعدي وما أحلّت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ولا يحتش خلالها ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد ، فقال رجل : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا ، فقال ، صلّى الله عليه وسلّم : إلا الإذخر ، وقال ، صلى الله عليه وسلم : من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام ، ووجد على حجر فيها كتاب فيه : أنا الله رب بكة الحرام وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزال أخشابها مبارك لأهلها في الحمإ والماء ، ومن فضائله أنه من دخله كان آمنا ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله فإذا خرج منه أقيمت عليه الحدود ، ومن أحدث فيه حدثا أخذ بحدثه ، وقوله تعالى : وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ، وقوله : لتنذر أم القرى ومن حولها ، دليل على فضلها على سائر البلاد ، ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ولم يؤدّ أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان ، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما ، وكان أهله آمنين يغزون الناس ولا يغزون ويسبون ولا يسبون ولم تسب قرشيّة قط فتوطأ قهرا ولا يجال عليها السّهام ، وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم :
أبوا دين الملوك فهم لقاح |
|
إذا هيجوا إلى حرب أجابوا |
وقال الزّبر قان بن بدر لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل وتناول قريشا :