يقال له صقلاب في خمسمائة ألف رجل فأناخ عليها وأقام يقاتل أهلها مدة وهو لا يقدر عليها ، فلما أعيته الحيلة فيها وعزم على الانصراف استشار أهله فقالوا : الرأي أن تكتب إلى بخت نصر وتعلمه أمرك وتستأذنه في الانصراف ، فكتب إليه : أما بعد فإني وردت على مدينة حصينة كثيرة الأهل منيعة واسعة الأنهار ملتفة الأشجار كثيرة المقاتلة وقد رمت أهلها فلم أقدر عليها وضجر أصحابي المقام وضاقت عليهم الميرة والعلوفة فإن أذن لي الملك بالانصراف فقد انصرفت. فلما وصل الكتاب إلى بخت نصر كتب إليه : أما بعد فقد فهمت كتابك ورأيت أن تصوّر لي المدينة بجبالها وعيونها وطرقها وقراها ومنبع مياهها وتنفذ إليّ بذلك حتى يأتيك أمري ، ففعل صقلاب ذلك وصوّر المدينة وأنفذ الصورة إليه وهو ببابل ، فلما وقف عليه جمع الحكماء وقال : أجيلوا الرأي في هذه الصورة وانظروا من أين تفتح هذه المدينة ، فأجمعوا على أن مياه عيونها تحبس حولا ثم تفتح وترسل على المدينة فإنها تغرق ، فكتب بخت نصر إلى صقلاب بذلك وأمره بما قاله الحكماء ، ففتح ذلك الماء بعد حبسه وأرسله على المدينة فهدم سورها وحيطانها وغرق أكثر أهلها فدخلها صقلاب وقتل المقاتلة وسبى الذرّية وأقام بها فوقع في أصحابه الطاعون فمات عامتهم حتى لم يبق منهم إلا قليل ودفنوا في أحواض من خزف فقبورهم معروفة توجد في المحالّ والسكك إذا عمروا دورهم وخرّبوا ، ولم تزل همذان بعد ذلك خرابا حتى كانت حرب دارا بن دارا والإسكندر فإن دارا استشار أصحابه في أمره لما أظله الإسكندر فأشاروا عليه بمحاربته بعد أن يحرز حرمه وأمواله وخزائنه بمكان حريز لا يوصل إليه ويتجرد هو للقتال ، فقال : انظروا موضعا حريزا حصينا لذلك ، فقالوا له : إن من وراء أرض الماهين جبالا لا ترام وهي شبيهة بالسند وهناك مدينة منيعة عتيقة قد خربت وبارت وهلك أهلها وحولها جبال شامخة يقال لها همذان فالرأي للملك أن يأمر ببنائها وإحكامها وأن يجعل في وسطها حصنا يكون للحرم والخزائن والعيال والأموال ويبني حول الحصن دور القوّاد والخاصة والمرازبة ثم يوكل بالمدينة اثني عشر ألف رجل من خاصة الملك وثقاته يحمونها ويقاتلون عنها من رامها ، قال : فأمر دارا ببناء همذان وبنى في وسطها قصرا عظيما مشرفا له ثلاثة أوجه وسماه ساروقا وجعل فيه ألف مخبإ لخزائنه وأمواله وأغلق عليه ثمانية أبواب حديد كل باب في ارتفاع اثني عشر ذراعا ثم أمر بأهله وولده وخزائنه فحوّلوا إليها وأسكنوها ، وجعل في وسط القصر قصرا آخر صيّر فيه خواص حرمه وأحرز أمواله في تلك المخابئ ، ووكل بالمدينة اثني عشر ألفا وجعلهم حراسا ، وحكى بعض أهل همذان عنها مثل ما حكيناه أولا عن بخت نصر من حبس الماء وإطلاقه على البلد حتى خربه وفتحه ، والله أعلم ، ويقال إن أول من بنى همذان جم بن نوجهان بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، عليه السّلام ، وسماها سارو ، ويعرب فيقال ساروق ، وحصّنها بهمن بن إسفنديار ، وإن دارا وجد المدينة حصينة المكان دارسة البناء فأعاد بناءها ثم كثر الناس بها في الزمان القديم حتى كانت منازلها تقدر بثلاثة فراسخ ، وكان صنف الصاغة بها بقرية سنجاباذ واليوم تلك القرية على فرسخين من البلد ، قال شيرويه في أخبار الفرس بلسانهم : سارو جم كرد دارا كمر بست بهمن إسفنديار بسر آورد ، معناه بنى الساروق جم ونطّقه دارا أي سوّره وعمم عليه سورا واستتمه وأحسنه بهمن بن إسفنديار ، وذكر أيضا بعض مشايخ همذان أنها