أعتق مدينة بالجبل ، واستدلوا على ذلك من بقية بناء قديم باق إلى الآن وهو طاق جسيم شاهق لا يدرى من بناه وللعامة فيه أخبار عامية ألغينا ذكرها خوف التهمة ، وقال محمد بن بشار يذكر همذان وأروند :
ولقد أقول تيامني وتشاءمي |
|
وتواصلي ريما على همذان |
بلد نبات الزعفران ترابه ، |
|
وشرابه عسل بماء قنان |
سقيا لأوجه من سقيت لذكرهم |
|
ماء الجوى بزجاجة الأحزان |
كاد الفؤاد يطير مما شفّه |
|
شوقا بأجنحة من الخفقان |
فكسا الربيع بلاد أهلك روضة |
|
تفترّ عن نفل وعن حوذان |
حتى تعانق من خزاماك الذي |
|
بالجلهتين شقائق النعمان |
وإذا تبجّست الثلوج تبجّست |
|
عن كوثر شبم وعن حيوان |
متسلسلين على مذانب تلعة |
|
تثغو الجداء بها على الحملان |
قال المؤلف : ولا شك عند كل من شاهد همذان بأنها من أحسن البلاد وأنزهها وأطيبها وأرفهها وما زالت محلّا للملوك ومعدنا لأهل الدين والفضل إلا أن شتاءها مفرط البرد بحيث قد أفردت فيه كتب وذكر أمره بالشعر والخطب وسنذكر من ذلك مناظرة جرت بين رجل من أهل العراق يقال له عبد القاهر بن حمزة الواسطي ورجل من همذان يقال له الحسين بن أبي سرح في أمرها فيه كفاية ، قالوا : وكانا كثيرا ما يلتقيان فيتحادثان الأدب ويتذاكران العلم وكان عبد القاهر لا يزال يذمّ الجبل وهواءه وأهله وشتاءه لأنه كان رجلا من أهل العراق وكان ابن أبي سرح مخالفا له كثيرا يذم العراق وأهله ، فالتقيا يوما عند محمد بن إسحاق الفقيه وكان يوما شاتيا صادق البرد كثير الثلج وكان البرد قد بلغ من عبد القاهر مبالغه ، فلما دخل وسلم قال : لعن الله الجبل ولعن ساكنيه وخص الله همذان من اللعن بأوفره وأكثره! فما أكدر هواءها وأشد بردها وأذاها وأشد مؤونتها وأقلّ خيرها وأكثر شرها ، فقد سلط الله عليها الزمهرير الذي يعذب به أهل جهنم معما يحتاج الإنسان فيها من الدثار والمؤن المجحفة فوجوهكم يا أهل همذان مائلة وأنوفكم سائلة وأطرافكم خصرة وثيابكم متسخة وروائحكم قذرة ولحاكم دخانية وسبلكم منقطعة والفقر عليكم ظاهر والمستور في بلدكم مهتوك لأن شتاءكم يهدم الحيطان ويبرز الحصان ويفسد الطرق ويشعث الآطام ، فطرقكم وحلة تتهافت فيها الدواب وتتقذر فيها الثياب وتتحطم الإبل وتخسف فيها الآبار وتفيض المياه وتكف السطوح وتهيج الرياح العواصف وتكون فيها الزلازل والخسوف والرعود والبروق والثلوج والدّمق فتنقطع عند ذلك السبل ويكثر الموت وتضيق المعايش ، فالناس في جبلكم هذا في جميع أيام الشتاء يتوقعون العذاب ويخافون السخط والعقاب ثم يسمونه العدو المحاصر والكلب الكلب ، ولذلك كتب عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، إلى بعض عماله : إنه قد أظلّكم الشتاء وهو العدو المحاصر فاستعدوا له الفراء واستنعلوا الحذاء ، وقد قال الشاعر :
إذا جاء الشتاء فأدفئوني ، |
|
فإن الشيخ يهدمه الشتاء |
فالشتاء يهدم الحيطان فكيف الأبدان لا سيما شتاؤكم