الملعون ، ثم فيكم أخلاق الفرس وجفاء العلوج وبخل أهل أصبهان ووقاحة أهل الريّ وفدامة أهل نهاوند وغلظ طبع أهل همذان على أن بلدكم هذا أشد البلدان بردا وأكثرها ثلجا وأضيقها طرقا وأوعرها مسلكا وأفقرها أهلا ، وكان يقال أبرد البلدان ثلاثة : برذعة وقاليقلا وخوارزم ، وهذا قول من لم يدخل بلدكم ولم يشاهد شتاءكم ، وقد حدثني أبو جعفر محمد بن إسحاق المكتّب قال : لما قدم عبد الله بن المبارك همذان أوقدت بين يديه نار فكان إذا سخن باطن كفه أصاب ظاهرها البرد وإذا سخن ظاهرها أصاب باطنها البرد ، فقال :
أقول لها ونحن على صلاء : |
|
أما للنار عندك حرّ نار؟ |
لئن خيّرت في البلدان يوما |
|
فما همذان عندي بالخيار |
ثم التفت إلى ابن أبي سرح وقال : يا أبا عبد الله وهذا والدك يقول :
النار في همذان يبرد حرّها ، |
|
والبرد في همذان داء مسقم |
والفقر يكتم في بلاد غيرها ، |
|
والفقر في همذان ما لا يكتم |
قد قال كسرى حين أبصر تلّكم : |
|
همذان لا! انصرفوا فتلك جهنم |
والدليل على هذا أن الأكاسرة ما كانت تدخل همذان لأن بناءهم متصل من المدائن إلى أزرميدخت من أسدآباذ ولم يجوزوا عقبة أسدآباذ ، وبلغنا أن كسرى أبرويز همّ بدخول همذان فلما بلغ إلى موضع يقال له دوزخ دره ، ومعناه بالعربية باب جهنم ، قال لبعض وزرائه : ما يسمى هذا المكان؟ فعرّفه ، فقال لأصحابه : انصرفوا فلا حاجة بنا إلى دخول مدينة فيها ذكر جهنم ، وقد قال وهب بن شاذان الهمذاني شاعركم :
أما آن من همذان الرحيل |
|
من البلدة الحزنة الجامدة |
فما في البلاد ولا أهلها |
|
من الخير من خصلة واحده |
يشيب الشباب ولم يهرموا |
|
بها من ضبابتها الراكدة |
سألتهم : أين أقصى الشتاء |
|
ومستقبل السنة الواردة؟ |
فقالوا : إلى جمرة المنتهى ، |
|
فقد سقطت جمرة خامدة |
وأيضا قد قال شاعركم :
يوم من الزمهرير مقرور |
|
على صبيب الضباب مزرور |
كأنما حشوه جزائره |
|
وأرضه وجهها قوارير |
يرمي البصير الحديد نظرته |
|
منها لأجفانه سمادير |
وشمسه حرّة مخدّرة |
|
تسلّبت حين حمّ مقدور |
تخال بالوجه من ضبابتها |
|
إذا حذت جلده زنابير |
وقال كاتب بكر :
همذان متلفة النفوس ببردها |
|
والزمهرير ، وحرّها مأمون |
غلب الشتاء مصيفها وربيعها ، |
|
فكأنما تموزها كانون |