الخلائق محبّته ، ولا أن يرجعوا من أمرهم إلى ما يحبّ ، وقد كان منهم منافقون يبدونه النصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ويلحقونه بأمرّ من الحنظل ، حتّى توفّاه الله عزوجل.
وإنّ أباك عليّاً قد كان في مثل ذلك ، فقوم أجمعوا على نصره وقاتلوا معه المنافقين والفاسقين والمارقين والقاسطين ، حتّى أتاه أجله.
وأنتم اليوم عندنا في مثل ذلك الحال (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) (١) والله يغني عنه ، فسر بنا راشداً ، مشرّقاً إنْ شئت أو مغرّباً ، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا ونصرتنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك» (٢).
الأمر الثاني :
إنّ الإمام عليهالسلام كان على علمٍ تامٍّ بنيّات القوم وما سيقع عليه ، وكلّ الأدلّة والقرائن قائمة على ذلك ، وقد صرّح به في كلّ مرحلةٍ ..
فتارةً : قال : «والله لا يَدَعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة ـ وأشار إلى قلبه الشريف ـ من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلَّط عليهم من يذلّهم ، حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأَمَة» (٣).
وأُخرى : قال ـ لدى خروجه من مكّة ـ «والله لأنْ أُقتل خارجاً منها بشبرٍ أحبّ إليَّ من أنْ أُقتل داخلاً منها بشبر ، وأيم الله لو كنت في جحر
__________________
(١) سورة الفتح ٤٨ : ١٠
(٢) انظر : الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٩٣
(٣) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٣١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٠ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٦ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١٥ ـ ٢٦١٦ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٥