الناس فقد أُعظِمت رشوتهم ، ومُلئت غرائرهم ، فهم أَلْبٌ واحدٌ عليك.
وأمّا سائر الناس بعدهم ، فإنّ قلوبهم تهوي إليك ، وسيوفهم غداً مشهورة عليك.
وسألهم عن رسوله قيس بن مُسْهِر ، فأخبروه بقتله وما كان منه ، فترقرقت عيناه بالدموع ولم يملك دمعته ، ثمّ قرأ : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلاً) (١) ؛ اللهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة ، واجمعْ بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، وغائب مذخور ثوابك.
وقال له الطرِمّاح بن عديّ : والله ما أرى معك كثيرَ أحدٍ ، ولو لم يقاتلك إلّاهؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، ولقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة بيومٍ ظهرَ الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي جمعاً في صعيد واحد أكثر منه قطّ ليسيروا إليك ، فأنشدك الله إن قدرتَ على أن لا تقدم إليهم شبراً فافعلْ.
فإن أردتَ أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسِرْ حتّى أُنزلك جبلنا أجأ ، فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسّان وحِمْير والنعمان بن المنذر ، ومن الأحمر والأبيض ، والله ما إن دخل علينا ذُلّ قطّ ، فأسيرُ معك حتّى أُنزلك [القُرَيَّة] ، ثمّ تبعث إلى الرجال ممّنْ بأجأ وسَلمى من طيّئ ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيّام حتّى تأتيك طيّئ رجالاً وركباناً ، ثمّ أقمْ فينا ما بدا لك ، فإن هاجك هَيْجٌ ، فأنا زعيمٌ لك بعشرين ألف طائيّ يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يُوصل إليك أبداً وفيهم عين تطرف.
__________________
(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٣