أمّا قيم الدنيا من المال والبنين ونحوهما ، فلا قيمة لهما في ميزان الأعمال ، لأنهما لا يمثلان أيّة رابطة وثيقة بالمعنى الإنساني ، في ما هي الذات والعمل ، بل يمثلان شيئا منفصلا عنها ، فلا يتحوّلان إلى قيمة في ميزان الرضا والعمل.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) وقرّبت إليهم لينالوها من أقرب موقع من دون جهد ، فلا يكلّفون أن يبذلوا جهدا للوصول إليها ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) فأظهرت إليهم ليواجهوها من مكان بعيد ، ليندفعوا إليها خاشعين خشوع الذل في ساحات الضلال جزاء على ما قدّموه بين أيديهم من أسباب الغواية والبعد عن الله.
(وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) فيدفعون عنكم العذاب (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) لأنفسهم عند ما يواجهون عذاب النار.
(فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) أي ألقوا على وجوههم مرّة بعد أخرى ، وهذا معنى الكبكبة ، والضمير فيها للأصنام ـ على الظاهر ـ والغاوون هم الذين عاشوا في الغيّ بعبادتهم لهم.
جاء في الكافي عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام في قول الله عزوجل : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره (١).
(وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) وهم قرناء الشياطين من الجن والإنس (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) عند ما يواجهون الحقيقة الصعبة التي عاشوا حركة المسؤولية من خلال ما عاشوه في الدنيا من علاقاتهم الاجتماعية ، فيستذكرون في وعيهم الذاتي كيف كانوا يخضعون لبعضهم البعض في التوجيه السيئ الذي
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٥ ، ص : ٢٩٣.