إلى ذلك كما كلفني بدعوتكم ، لأن الجميع عباد الله الذين فرض عليهم الإيمان به وبرسله والإطاعة له في أوامره ، فلا أملك أن أطردهم من ساحة الإيمان العملية المحيطة بي ، ولا أملك حسابهم على ما يعملونه من موقع ذاتيّ ، لأفتح التحقيق حول ما تتحدثون به عنهم.
(إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) بالمعنى العميق لحركة المسؤولية في حياة الناس ، فالرسالة رسالة الله ، والخلق عباد الله ، فهو الذي يتولى حسابهم ، في ما كلفهم فيه من مواقع طاعته.
(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) الذين آمنوا بالله وانفتحوا على الحق في مواقع الرسالة ، (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) جئت لأنذر الجميع وأخوّفهم عقاب الله بكل وضوح وأمانة. وهذا كل شيء لديّ ، فلا تكثروا الكلام في ذلك ، ولا تفكروا بأن من الممكن أن أستجيب لكم في كل ما تطرحونه من مشاريع.
(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) فقد تمرّدت على تقاليدنا وعقائدنا وأوضاعنا ، وجئت بطريقة جديدة في العقيدة والعبادة والشريعة ، بما لا ينسجم مع تاريخنا ومجتمعنا ، فإذا لم ترجع إلى ما ندعوك إليه من الآن ، فسنرجمك بالحجارة وتكون من الهالكين.
وهكذا لم يجدوا الكلمة المعبّرة عن الفكرة المتزنة ، والحجة القوية ، التي يجابهون بها فكرته وحجّته ، كما هو شأن الضعفاء في الفكر ، الأقوياء بالمال والرجال والسلاح ، فيضغطون من خلال القوّة الغاشمة ، لا من خلال الحجة البالغة. وبذلك أغلقوا باب الحوار ، ولم يبق هناك مجال لحديث دعوة أو كلمة هداية ، بعد أن استنفدت كل أساليب الدعوة ، وكل كلمات الهداية.
(قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) وأغلقوا كل الأبواب عليّ ، فلا أجد أية ثغرة في الموقف مما يمكن أن أنفذ منه إلى عقولهم وقلوبهم ومواقعهم ، (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) يفصل بيننا ، ويحسم الأمر كله ، ليعرفوا النتائج العملية الصعبة