أيّة حجّة مقنعة ، لأن الله ـ من وجهة النظرة الدينية التوحيدية ـ هو الخالق للإنسان والمدبّر له والمالك لأموره كلها ، فلا بد من أن يأذن للإنسان بما يأخذ به أو يدعه من أفعال ، لأنه يملك منه ما لا يملكه من نفسه ، وهو الذي يتدخل ليحمي الإنسان من نفسه ، كما يحميه من عدوان غيره.
ثم إن الحرية ليست حالة مزاج منفصل عن النظام العام للفرد في مواقع فرديته ، لأن الفردية المطلقة لا وجود لها ما دام الإنسان مرتبطا بالأفراد الآخرين في الهيكل الاجتماعي المشترك المترابط في حاجاته وأوضاعه ، المتكامل في غرائزه المتحركة من أجل استمرار وجوده في النوازع الخاصة ، أو في العلاقات العامة ، فهناك خطّ يتصل في حركته بالفطرة الإنسانية الداخلية والخارجية في تواصل الحاجات الجسدية وتفاعلها ، فلا بد من دراسة ذلك في التخطيط لقاعدة الحرية الفردية بالمستوى الذي لا تتحول فيه إلى خطر على الحرية الاجتماعية في حفاظ المجتمع على وجوده في علاقاته الأخلاقية والغريزية والعاطفية.
وهكذا لم يكن لديهم أية حجة مقنعة في مواجهة دعوته ، بل كانت القواعد المهدّدة بالنفي والتشريد والقتل هي سبيلهم إلى إسكات صوته وإسقاط موقفه ، ولكن النبي لم يتراجع ، ولم يسقط ، ولم يغيّر موقفه ، بل رفع أمره إلى الله في تقريره الأخير بعد أن أعلن لهم بأنه رافض لعملهم ، وبريء منهم ، ليحدّد الفواصل التي تفصله عنهم في ما يفصل المؤمن عن الكافر ، وفي ما يفترق به التقي عن الشقي ، والمستقيم عن المنحرف.
(قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) المبغضين الرافضين له جملة وتفصيلا. (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) من انحراف وعصيان ، ومما يهددونني به من نفي وتشريد ، (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) وهي زوجة لوط التي بقيت على عهدها لقومها لأنها كانت منسجمة معهم في تفكيرهم وانحرافهم ، (ثُمَ