الخير واتقاء الشرّ ، فإذا كان الله هو الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين ، فيجب عليكم أن تتقوه وتراقبوه في كل أموركم ، لترتبوا قضايا الربح والخسارة على أساس رضاه ، لا على أساس ما تحصلون عليه من نتائج مادية ، أو ما تخسرونه منها ، لأنه يملك منكم ما لا تملكونه من أنفسكم وما لا يملكه منكم غيركم. فكما أهلك الأقدمين من آبائكم فأصبحوا تحت رحمته في مماتهم ، فإنه سيهلككم ويهلك أموالكم ولا يبقى لديكم شيء إلا رحمته ، فاتقوه لتحصلوا عليها.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) الذين لا يملكون عقولهم ، ليميزوا بين الحق والباطل ، فقد استطاع السحر أن يترك تأثيره على شخصيتك ، فأصبحت تتحرك كالمسحور الحائر الذي لا يعرف كيف يتصرف ، وكيف تتوازن الأشياء في ذهنه وسلوكه ، فكيف نستمع إليك باحترام ، ونقبل دعوتك بإذعان؟ ثم من أنت في المقياس الحقيقي للرسالة؟ وما الذي يميزك عنا ليكون لك حق الطاعة علينا من خلال صفة الرسالة التي تدعيها لنفسك؟ (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) الذين ينطلقون من الكذب ليحصلوا على الامتيازات الذاتية في المجتمع ، على أساس ما يمنحونه لأنفسهم من صفات عظيمة ، لأن ما تدعيه لا ينسجم مع مقياسنا للرسالة وللرساليين.
(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي قطعا من السماء المتناثرة لتكسر رؤوسنا ، وتحرق أجسادنا ، (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في ما تدعيه من علاقتك المميزة بالله التي تتيح لك أن تملك السيطرة على الكون ، في ما تريد ، وما لا تريد. (قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فلست الديّان الذي يفرض عليكم ما يشاء من عقاب على أعمالكم ، لأني لا أملك علم ذلك ، ولا السلطة عليه ، فلله الأمر كله ، وإنما أنا رسول من قبله لأحمل لكم رسالته ، ويبقى له ما يريد أن يفعله بكم من خلال اطلاعه عليكم وعلى أعمالكم ، فإن شاء عجّل وإن شاء أمهل ، ولن يفوته شيء من أمركم على كل حال.