أَمِينٌ) لا يخونكم في نصيحة ، ولا يخون الله في رسالته ، فأنا الأمين على حياتكم من خلال ما حمّلني الله من الرسالة الهادية ، (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فذلك هو المظهر العملي للإيمان بالله والاعتراف بألوهيته.
(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) لأنكم لا تملكون لأنفسكم ولا لأحد غيركم نفعا ولا ضرّا إلّا بإذن الله ، فلما ذا أطلب الأجر منكم ولا أطلبه من الله سبحانه ، فلا أريد منكم شيئا إلا الاستجابة لله في تفاصيل الرسالة كلها. ويا قوم (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) الذين ينقصون الناس أشياءهم فيوقعونهم في الخسارة ، (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) وهو الميزان الدقيق الذي تتوازن كفتاه في الأخذ والعطاء ، على أساس العدل في الحقوق. (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي لا تنقصوهم حقوقهم ، (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) لا تفسدوا في الأرض بالإخلال في التوازن العام في السلوك الاقتصادي المنحرف ، الذي قد ينتهي إلى الانهيار في التعامل من ناحية مالية وأخلاقية ، فقد أراد الله للحياة أن تتوفر فيها الطاقات الإنسانية على إصلاح الواقع والحركة والفكر في كل ما يحيط بالإنسان ، وما يتحرك في حياته ، وما يفكر به.
وهكذا كانت رسالة شعيب لقومه ، أن يواجهوا الحركة التجارية في معاملاتهم من مواقع الإصلاح لا الإفساد ، وذلك بإقامة التوازن في كل ما لهم وما عليهم ، من خلال المسألة الموضوعية التي تنظر إلى طبيعة الحق في المعاملة ، لا من خلال المسألة الذاتية التي تنظر إلى طبيعة الذات في الربح والخسارة. وأن تكون التقوى حافظا لخطواتهم من الزلل ، ومواقعهم من الانحراف ، إذا اقترب الشيطان منهم في عملية إغواء وتضليل.
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) والمراد بالجبلّة الطبيعة والفطرة الإنسانية التي أقام عليها أمر الخلق في ما أودعه في فطرتهم من الرغبة في