الموقع تبعا للحاجة والحركة والدور بما يتنوع الناس به مما يملكونه ومما لا يملكونه.
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) فقد كانت المهمّات التي أراد الله منه القيام بها في تنوّعها واختلاف مواقعها ، تفرض أن تكون له هذه السيطرة على الإنس في ما يريد أن يتحرك به في مجتمع الإنسان ، وعلى الجن في ما يريد أن يثيره في مجتمعات الجن ، وعلى الطير في ما يريد أن يكلفهم به من مهمّات.
وليس من الضروري ، أن يكون لكل هذه الأصناف عقل وإرادة بالمستوى الذي يملكون معه التصرف على أساس المسؤولية ، كما قد يحتمله بعض المفسرين ، حيث اعتبر أن للطير في زمان سليمان عقلا بقدرة الله ، دون زماننا ، لأن مسألة الجندية يكفي فيها وجود بعض الخصوصيات والقدرة التي يملك القائد تحريكها في مهمّاته ، مما يملكه الطير بحسب طبيعته في كل زمان ومكان ، مما أعده الله له ، وألهمه هداه في شؤون الحياة ، وهكذا اجتمع له هؤلاء في مهمّة محددة يتحركون نحوها إلى هدف لم يحدثنا القرآن عن تفصيله.
(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) وهو من المناطق التي يتكاثر فيها النمل بشكل كثيف كما توحي به الكلمة في نسبة الوادي إلى النمل ، (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) عند ما يسيرون في هذا الحشد الكبير ، فيطئونكم بأقدامهم وهم غافلون أو عارفون. وهذا مما يوحي بأن لمجتمع النمل قيادة تدير شؤونهم وتتولى تحذيرهم من الأخطار القادمة إليهم سواء كان ذلك بطريقة غريزية ، أو بطريقة واعية ، مما لا نملك معرفته بتفاصيله الدقيقة ، ولكن الآية توحي بشيء من هذا القبيل. وسمعها سليمان ، وكان يعرف منطق النمل كما يعرف منطق الطير ، وعرف بنعمة الله عليه ما يثيره موكبه من اهتمام حتى لدى النمل ، (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي)