والعاصي بن وائل ، ونبيه بن الحجاج ، اجتمعوا ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا منه ، فبعثوا إليه أنّ أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك.
قال : فجاءهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا له : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تريد به مالا جمعنا لك من أموالنا ، وإن كنت تطلب الشرف فنحن نسوّدك ، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما لي مما تقولون ، ما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل عليّ كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا : يا محمد ، فإن كنت غير قابل منا شيئا ممّا عرضنا عليك ... فسل لنفسك ، وسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق ، وتلتمس المعاش ، كما نلتمسه ، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا ، كما تزعم ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أنا بفاعل ، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا.
فأنزل الله في قولهم ذلك : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) ، إلى قوله : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) ، أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسولي فلا تخالفوه لفعلت» (١).
* * *
__________________
(١) السيوطي ، عبد الرحمن ، جلال الدين ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، دار الفكر ، ١٩٩٣ م ـ ١٤١٤ ه ج : ٦ ، ص : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.