الجدّي للمسألة ، ليناقشوا طروحات النبي ، في ما يدعوهم إليه ، وفي ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه ، وفي ما يؤكد نبوّته ، بالأسلوب الفكري ، وبالمناقشة المتزنة. وهذا هو السّر في مواقف الكثيرين الذين يهزلون في مواقع الجدّية ، ويسخرون في مجالات الحقيقة ، لأنهم لا يحسبون حساب النتائج السلبية على مستوى المصير ، في ما هو العقاب والجزاء .. (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) لأنه لم ينطلق من فكر يؤكد له ذلك ، بل انطلق من فقدان التوازن في البحث عن الحقيقة بالوسائل المعقولة للمعرفة ، من خلال ما تستقبله من أجوبة ومعلومات ، وبذلك أهملوا الحجة البالغة التي أقامها الله عليهم من حركة العقل في داخلهم ، وحركة النبوة في آيات الوحي في حياتهم ، فكان انحرافهم من دون حجة ، وعصيانهم من دون قاعدة ، وهذا هو سرّ العذاب ـ دائما ـ الذي يتوعد الله به عباده الكافرين والعاصين ، لأنهم واجهوا المسألة بمنطق اللامبالاة التي أوقعتهم في الانحراف ، في الوقت الذي كانت الظروف الداخلية والخارجية في كيانهم وحياتهم منفتحة على الحقائق الإلهية في الإيمان والطاعة والاستقامة.
(إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) إنها الصورة المثيرة للنار التي تكاد تلمح فيها الإحساس الواعي في مواجهة هؤلاء الذين تمردوا على خالقهم بالكفر والعصيان ، وذلك من خلال لهيبها ، فكأنها تتحفز للانقضاض عليهم من موقع النقمة الداخلية المتوثبة في ما تظهره من غيظ ، وتتنفس به من صوت يتردد في ثورتها الملتهبة بالغضب والانفعال ، (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً) لا يكادون يملكون فيه حرية الحركة لضيقة (مُقَرَّنِينَ) مصفدين بالأغلال (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) وهو الهلاك الذي يتحول إلى نداء استغاثة ينطلق من الأعماق في كلمة تعبر عن الحسرة العميقة .. وا ثبوراه.
(لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) لأنكم لن تواجهوا نوعا واحدا من الهلاك ، (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) فهناك أكثر من موقف يواجهكم فيه الهلاك ، وأكثر من