والحياة ، فنسوا الله ونسوا أنفسهم وغابوا عن التطلع إلى اليوم الآخر ، واحتضنوا العظمة الفانية ، وتركوا العظمة الخالدة ، وإذا عاشت الشهوة كقيمة كبيرة في حياة الإنسان ، وتحركت المتعة ، كهدف أصيل في الذات ، فإن ذلك سوف يصنع له آلهة كثيرة من الخيال ، في ما يستغرقه من غيب الأوهام ، وفي ما يثيره من ضباب الأحلام.
وهكذا نسي هؤلاء الذكر ، وعاشوا الغفلة في غيبوبة الفكر وضياع الشعور ، فلم ينفتحوا على التوحيد في مواقع الوعي ، وعلى الإيمان في مطالع الشروق. وإذا نسي الناس الذكر ، التقوا بالأصنام البشرية والغيبية والحجرية ، وضلوا ضلالا بعيدا.
(وَكانُوا قَوْماً بُوراً) أشقياء هالكين في إسرافهم على أنفسهم بالكفر والضلال ، (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) بما تمنحونهم من صفات الألوهية ، أو ما تقدمونه من فروض العبادة ، وأعلنوا البراءة منكم ، فلم يكن لهم أيّ دور في إضلالكم ، بل كنتم ـ أنتم ـ الضالين ، (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً) بأن تصرفوا عن أنفسكم العذاب بشفاعتهم أو بعبادتهم (وَلا نَصْراً) بأن تجدوا لكم ناصرا ينصركم من عذاب الله.
(وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) نفسه بالكفر والعصيان (نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) ، لأن الأمر كله لنا وليس لأحد معنا شيء ، ولا يستطيع أحد أن يمنعنا مما نريده. وهذا ما ينبغي أن يعيشه الناس كلهم في مسألة العقيدة والطاعة ، في ما يظلمون به أنفسهم ، أو يظلمون به ربهم في تجاوزهم لما له عليهم من حق. إن الانحراف عن الحق ، في الموقع الذي يستطيع الإنسان أن يبلغ الحق أو يكتشفه ، يعني الوقوع في العذاب لا محالة. (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الذين آمن بهم هؤلاء (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) كما تأكل ـ أنت ـ الطعام ، وتمشي ـ مع الناس ـ في الأسواق ،