فلست أول الأنبياء الذين يتصفون بالبشرية ، ويتحركون على طريقة البشر في حياتهم المادية والروحية ، فلما ذا يتطلبون فيك ما لم يتطلبوه في غيرك؟! ولماذا يستغربون بشريتك ، أو يتطلبون الملائكة معك ، أو ما شابه ذلك؟!
(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) حيث تمثل بشرية النبي امتحانا للناس في إيمانهم عند ما يأتيهم النبي بشرا عاديا كبقية الناس ، لا يحمل في ذاته أيّة خصوصية تميزه عنهم ، فيدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد ، ويبلغهم وحيه الممتد في كل جوانب الحياة ، مما يجعل من الإيمان اختبارا لحيوية الفكر وأصالته وحركته في طريق الإيمان القائم على المعرفة ، بعيدا عن كل العوامل التي تخطف بصره ، وتسلب لبّه ، وتثير شعوره (أَتَصْبِرُونَ) على التحديات الكبيرة التي تواجهكم بالأوهام التي تنحرف بكم عن خط الإيمان ، وعلى الجهد الطويل الذي يفرض عليكم الوقوف عند مواقع العمق في الكفر ، والانفتاح في الرؤية ، والامتداد في الإحساس ، وعلى المشاكل المتنوعة المعقدة التي تتحدى راحتكم وأمنكم وشهوتكم ومزاجكم في حياتكم العامة والخاصة ، مما يثيره أمامكم أعداء الله والإيمان؟
(وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) عارفا بكل ما تحتاجون إليه في نظام حياتكم ، في ما تسيرون نحوه من سعادة أو شقاء ، فيدفعكم إلى ما فيه السعادة ، ويمنعكم عما يجلب لكم الشقاء.
* * *