وقد أجاب القرآن على رغبتهم في رؤية الملائكة عند ما ينزلون إلى الأرض أمامهم بأنهم سيرون الملائكة ، ولكن في عالم آخر ، وهو عالم القيامة ، غير أن ذلك لن يكون مريحا لهم ، بل سيجلب الشعور بالخوف ، في مواقع الخطر من خلال أعمالهم السيئة في الدنيا (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) لأنهم لم يقدّموا أيّ عمل في طاعة الله مما يمكن أن يجلب لهم البشرى من الملائكة ، كما يفعلون مع المؤمنين المتقين (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً). هكذا يتحدث القرآن عن قول المشركين في ذلك اليوم ، إذا رأوا الملائكة ، بهذه الكلمة ، (حِجْراً مَحْجُوراً) أي لنكن في معاذ منكم مما تقصدوننا به من العذاب ، أو عن قول الملائكة للمشركين هذه الكلمة ، حرام عليكم سماع البشارة بالجنة وبالنجاة أو ما شابه ذلك.
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) مما أرادوا به الحصول على السعادة ، واستسلموا لنتائجه الحلوة في غفلتهم عن الموت وعما بعد الموت (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) تماما كما هو التراب الدقيق الذي يتناثر في الهواء عند أوّل ريح تمرّ فلا يبقى منه شيء. وهكذا يواجهون الآخرة من دون رصيد في ما يمكن أن يثبّت لهم أقدامهم هناك ، أو يحقق لهم شيئا من السعادة ، حتى أن أعمالهم الصالحة التي قاموا بها في الدنيا من خلال مزاج إنسانيّ ، أو عادة خيّرة ، أو رغبة حميمة ، لا يبقى منها أيّ أثر ، لأنها لم ترتكز على قاعدة الإيمان بالله ، ولم تنطلق من خلال الرغبة في رضاه ، وقد حصلوا على ما يقابلها مما حصلوا عليه من نعيم الدنيا ، فلم يسلم منه شيء .. وهكذا يقفون هناك وقفة المعدم الحائر الذي يشعر بأن كل شيء عنده قد تحوّل إلى لا شيء في مسألة المصير الدائم ، فلم يعد له مكان إلا في النار.
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ) الذين آمنوا بالله وعملوا صالحا ، وأخلصوا دينهم الحق لله ، وانطلقوا في حياتهم على أساس محبة الله ، والرغبة في رضاه