(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) لنراهم رأي العين لنتعرف صدق النبي في نزول الوحي عليه عند ما نشاهدهم كيف يلقون عليه الوحي وكيف يلتقيهم ويحدثهم ويحدثونه (أَوْ نَرى رَبَّنا) في ما كانوا يعتقدونه من تجسد الإله بحيث يمكن للناظر أن يراه ، لنسأله عنك وعما تدعيه من إرساله لك بالرسالة التي تدعونا إليها ، فذلك هو الذي يمكننا من تصديقك. وربما كان في قوله (أَوْ نَرى رَبَّنا) نوع من التهكم منهم ، لأن «المشركين ما كانوا يرونه تعالى ربّا لهم ، بل كان عندهم أن أربابهم ما كانوا يعبدونهم ، والله سبحانه رب الأرباب ، فكأنّهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنك ترى أن الله ربك ، وقد حنّ إليك فخصك بالمشافهة والتكليم ، وأنه ربنا ، فليحن إلينا وليشافهنا بالرؤية كما فعل بك» (١).
ولكننا لا نستفيد من الآية ذلك ، بل كانت المسألة نوعا من التحدي له ، إذا كانوا يعتقدون عدم صدقه في ادّعائه الاتصال بالملإ الأعلى. أمّا حكاية أنهم لا يرونه ربّا لهم ، فهذا ما لم نلاحظه في ما قصه القرآن من عقيدتهم بالله ، بحيث كانت الأصنام وسيلة تقريب لهم إلى الله.
(لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من خلال ما يجدونه من العظمة لأنفسهم بالمستوى الذي يمنعهم من الخضوع للحقيقة الإلهية التي يحملها شخص منهم كمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنهم لا يرون له المقام الرفيع الذي يؤهله للارتباط بعالم الغيب ، مما كانوا يزعمونه من العلاقة الطبيعية بين ما هي الطبقة الاجتماعية في صفة الشخص ، وبين المهمة الرسالية له. وبذلك كانت الكبرياء حاجزا بينهم وبين الإيمان ، ممّا قادهم إلى الطغيان (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) أي طغوا طغيانا عظيما ، في تصرفاتهم وممارساتهم العامة والخاصة.
__________________
(١) الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي ، ط : ١ ، ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، بيروت ـ لبنان.