الآباء والأجداد وتقاليدهم ، من دون نظر إلى المستوى الثقافي لمصادر المعرفة التي يملكونها ، والدخول في مقارنة حادة بين ما هو موجود لديهم وما هو مطروح في الرسالات الجديدة. إنه الفكر المتحجر والأفق الضيّق والاستغراق في حديث الماضي القابع في كهوف الظلام.
(فَقَدْ كَذَّبُوا) بالذكر المحدث النازل على الرسول ، (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) مما لم يحيطوا بعلمه ، ولم ينتظروه من العقوبات العاجلة في الدنيا والآجلة في الآخرة ، فإن الله قد يمهل الكافرين والمكذبين والضالين من عباده ولكنه لا يهملهم ، بل يلاحقهم بالبلاء والعذاب من حيث لم يحتسبوا ، كما يرزقهم من خلال ذلك.
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) فكيف يصرّون على التكذيب وهم يتحركون في الأرض وينظرون إلى ما أودعه الله فيها من عجائب القدرة وآيات العظمة وملامح الإبداع في هذه النباتات المتنوعة بأشكالها وخصائصها وأوضاعها وثمارها في قانون الزوجية في الكون الذي يشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد ، مما يستطيع الإنسان أن يلمسه بحسّه المادي ، أو يكتشفه بحسّه العقلي ، في ما يكتشفه من تنوّع الملامح في الزوجين؟ وكيف يمكن لمن أدرك وحدة الإبداع في التنوع ، أن يبقى على الكفر والتكذيب؟ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) لمن أراد أن يهتدي ويتعرف الحقيقة من مصادرها اليقينية لأنها تشتمل على كل عناصر الإقناع بحقائق العقيدة التي جاء بها الرسول ، ولكن هؤلاء الذين يواجهون هذه الآية الواضحة لا يريدون أن يقرءوا فيها حقائق الإيمان ، انطلاقا من نوازعهم الذاتية المنحرفة المتمردة على الحقيقة في مواقع العقيدة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) لأن الأكثرية تبقى ـ في الغالب ـ خاضعة للأجواء الانفعالية التي تجعلهم يتأثرون بالضوضاء التي يثيرها قادة الكفر والضلال الذين يتعاملون مع نقاط الضعف الشعورية والفكرية الكامنة في أعماق الجماهير ، في عملية إثارة وتضليل. وتبقى الأقلية التي تعيش مسئولية الحق