فانّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فاذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، فالمراد بالسّؤال عن أشياء ان تبدلكم تسؤكم كثرة السّؤال والمداقّة فيما كلّفوا به وقد ورد ، انّ بنى إسرائيل شدّدوا على أنفسهم بكثرة السّؤال والمداقّة عن البقرة الّتى أمروا بذبحها فشدّد الله عليهم ، وروى انّ صفيّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها فأقبلت فقال عمر غطّى قرطك فانّ قرابتك من رسول الله (ص) لا تنفعك شيئا فقالت : هل رأيت قرطا يا ابن اللّخناء ، ثمّ دخلت على رسول الله (ص) وبكت وشكت فخرج رسول الله (ص) فنادى : الصّلوة جامعة فاجتمع النّاس ، فقال : ما بال أقوام يزعمون انّ قرابتي لا تنفع لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في خارجكم ، لا يسألني اليوم أحد من أبوه الّا أخبرته ، فقام اليه رجل فقال من ابى يا رسول الله؟ ـ فقال : أبوك غير الّذى تدعى له ، أبوك فلان بن فلان ، فقام آخر فقال : من ابى يا رسول الله؟ ـ قال : أبوك الّذى تدعى له ثمّ قال رسول الله (ص) ما بال الّذى يزعم انّ قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه ، فقام اليه عمر فقال له أعوذ بالله يا رسول الله (ص) من غضب الله وغضب رسول الله اعف عنّى عفا الله عنك ، فأنزل الله الآية وعلى هذا فالمعنى لا تسألوا عن أشياء سترها الله عليكم من انسابكم ان تبدلكم تسؤكم ، ويمكن التّعميم لكلّ ما كان ظهوره سبب الاساءة من التّكاليف والأنساب والأخلاق والأوصاف والأعمال من السّائل ومن غيره (عَفَا اللهُ عَنْها) صفة اخرى لاشياء اى لا تسألوا عن أشياء تركها الله ولم يبيّنها لكم أو استيناف لإظهار العفو عن المسئلة الّتى سبقت (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ) اى الأشياء الّتى في ظهورها الاساءة لكم (مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) حيث كرهوها فكفروا بها ولم يقبلوها أو كفروا برسلهم (ع) بسببها (ما جَعَلَ اللهُ) استيناف لبيان حال الكفّار في سننهم الرّديّة يعنى ما شرع الله وما سنّ (مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) عن الصّادق (ع) انّ أهل الجاهليّة كانوا إذا ولدت النّاقة ولدين في بطن واحد قالوا وصلت فلا يستحلّون ذبحها ولا أكلها ، وإذا ولدت عشرا جعلوها سائبة ولا يستحلّون ظهرها ولا أكلها ، والحام فحل الإبل لم يكونوا يستحلّونه وروى انّ البحيرة النّاقة إذا نتجت خمسة ابطن فان كان الخامس ذكرا نحروها فأكله الرّجال والنّساء وان كان الخامس أنثى بحروا اذنها اى شقّوها وكانت حراما على النّساء ، فأنزل الله عزوجل انّه لم يحرّم شيئا من ذلك وذكر غير ذلك في تفسيرها (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بنسبة التّحريم اليه (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) يعنى انّ الاتباع المقلّدين لا يعقلون شيئا من الصحّة والفساد ولا من الافتراء وغيره حتّى يتنبّهوا انّ هذا افتراء على الله فلا يقلّدوهم (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) من حدود الشّرع (قالُوا) اكتفاء بما اعتادوه وقلّدوه من غير تعقّل (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) يعنى لا حجّة لهم سوى فعل آبائهم وهو افضح من الاسناد الى علمائهم (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) عليكم اسم فعل بمعنى الزموا وقرئ برفع أنفسكم فهو ظرف خبره والمعنى الزموا أنفسكم لا تتجاوزوها الى غيركم ما لم تصلحوها ، فانّ الاشتغال بالغير قبل إصلاح النّفس سفاهة ويصير سببا لفساد أخر مقتبس من الغير وسببا لاستحكام الفساد الحاصل فيصير ظلمات النّفس مستحكمة متراكمة ، فما دام الإنسان يكون مبتلى في نفسه بالفساد والمرض ينبغي ان يطلب من يطّلع على امراضه ومفاسده فاذا وجده فليتعلّم منه ما يصلح به فساده ويعالج به امراضه ، فاذا تعلّم ذلك فينبغي ان يشتغل عن كلّ شيء بنفسه ولا يفارق إصلاحها