النّظم وتناسق الحروف والكلمات وتأدية معان كثيرة بألفاظ قليلة والإتيان بحقّ ما يقتضيه كلّ مقام والتّأدية بأحسن ما يمكن التّأدية به بحسب كلّ مقام ، وامّا ما لا تدركونه منه ممّا يترتّب على حروفه من فوائد العلوم المنوطة بحروفه من علم الاعداد والحروف والطّلسمات ، وممّا يستنبط منه من المغيبات الّتى كلّها عند أهل القرآن وليس لأحد الوصول إليها الّا بتطهير قلبه من الاحداث والاخباث ودخوله في سلك المشاهدين أو المتحقّقين بحقيقة القرآن ، لانّ القرآن لا يمكن مسيسه الّا للمتطهّرين فلا كلام فيه معكم فانّكم متباعدون عن التّخاطب بأمثال هذه (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) من الشّياطين والجنّة الّتى يدعوها الكهنة ، ومن الكواكب والأصنام الّتى يدعوها المشركون ، ومن الفصحاء الّذين يظنّهم النّاس قادرين على الإتيان بمثله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) انّه مفترى (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) اى ان لم يستجب الشّركاء لكم ايّها المنكرون أو ان لم يستجب المنكرون لكم ايّها المؤمنون الى ما تحدّيتم به ، ولمّا كان الغرض من هذا التّحدّى تسلية المؤمنين وتقوية ضعفاء المسلمين جعلهم شركاء له (ص) في الخطاب على هذا الوجه ، ويجوز ان يكون هذا ابتداء كلام ويجوز ان يكون مقول قوله (ص) (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ) القرآن (بِعِلْمِ اللهِ) اى باطّلاعه أو انّ الّذى انزل انزل باطّلاع الله لا بافتراء عليه (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) يعنى انّ الّذين يدعونه من دون الله من الشّياطين والأصنام والكواكب لا تصرّف ولا تسلّط لهم على شيء ولا استحقاق للعبوديّة الّا له يعنى انّ عجزهم عن الإتيان دليل على صدق محمّد (ص) وعلى نفى استحقاق غيره للعبادة وعلى كذب المكذّبين في دعوى الآلهة لغيره تعالى (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) منقادون خالصون عن الرّيب ان كان الخطاب لضعفاء المسلمين أو فهل أنتم معتقدون لدين الإسلام داخلون فيه ان كان الخطاب للكّفار بصرف الخطاب عن المسلمين الى المشركين يعنى ان علمتم ايّها المؤمنون أو ان عجزتم وعلمتم عجز شركائكم ايّها المشركون فهل أنتم مسلمون (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) بأعماله الاسلاميّة وارتكاب صور الأعمال الحسنة وتحمّل المشّاق وإنفاق الأموال في حفظ الإسلام واعلائه كما فعل المنافقون من أصحاب الرّسول (ص) واظلالهم من اتباعهم الى يوم القيامة وكلّ من تحمّل المتاعب الشّديدة من متاعب الغربة والاسفار البعيدة والصّبر على الجوع والحرّ والبرد في تحصيل المسائل الدّينيّة لغرض الوصول الى المناصب الدّنيويّة داخل في مصداق الآية ويدلّ على هذا التّفسير قوله تعالى (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) لانّ توفية الأعمال في الدّنيا ليست الّا لمن عمل الأعمال الصّالحة صورة وذلك لان يخرجوا من الدّنيا ومالهم من صورة أعمالهم المشابهة لاعمال المؤمنين شيء (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) هذا بحسب حال الأغلب والّا فقد يريد الدّنيا ويتعب نفسه في تحصيلها وفي تحصيل العلم وارتكاب صور الأعمال الشّرعيّة لغرض من الأغراض الدّنيويّة ولا يصل إليها كما ترى من حرمان بعض عن أغراضهم فليس له الآخرة لانّها لم تكن مقصودة له ولا الدّنيا لحرمانها عنها فيشبه دنياه آخرة يزيد لعنه الله وآخرته دنيا ابى يزيد ولهذا قيّد الإتيان في آية اخرى بما يشاء لمن يشاء (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) اى في الدّنيا أو في الآخرة ظرف للصّنع أو للحبط (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) لمّا توهّم من ذكر الحبط انّ أعمالهم لها شوب من الحقّيّة قال باطل اشارة الى انّه لا حقّيّة لها أصلا بل هي بالفعل باطلة لا انّها يطرؤها البطلان في الآخرة (أَفَمَنْ كانَ