استيناف لتأديب الامّة بالخطاب لمحمّد (ص) أو لتأديب محمّد (ص) اصالة ولامّته تبعا (بِالْحَقِ) الحقّ المطلق هو الله جلّ شأنه والحقّ المضاف هو مشيّته المسمّاة بالحقّ المخلوق به والاضافة الاشراقيّة والحقيقة المحمّديّة وهو الولاية المطلقة وهي علويّة علىّ (ع) ومعروفيّة الله وظهوره ، خلقت الخلق بالمشيّة والمشيّة بنفسها ، اشارة اليه ، ولمّا كان النّبوّة ظهور الولاية ، وكتاب التّدوين ظهور النّبوّة والرّسالة ، وظهور الظّهور ، ظهور للظّاهر الاوّل كان إنزال الكتاب بتوسّط الحقّ المضاف صحيحا ومتلبّسا بالحقّ المضاف أيضا صحيحا لانّ حقّية كلّ حقّ وحقيقة كلّ ذي حقيقة هي هذا ، ومع الحقّ أيضا جائز (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) المراد من الحكم الحكومة المعروفة من قطع المنازعات ، أو ما هو اعمّ منها ومن تأسيس السّياسات والعبادات ، أو ما هو اعمّ منها ومن إصلاحهم بالنّصائح والآداب ، أو ما هو اعمّ منها ومن إصلاحهم وتكميلاتهم في الباطن بلسان السّرّ (بِما أَراكَ اللهُ) من رؤية البصر ، لانّ ظهور الولاية بالنّبوّة لا يكون الّا مع فتح باب من الملكوت فيرى صاحبه بعين البصيرة دقائق أمور العباد وخفايا أحوالهم فيمكن له الحكم والإصلاح بما يرى ، أو من الرّأى يعنى بما جعلك الله ذا رأى لا تحتاج فيه الى رأى الغير لفتح بصيرتك أيضا بانزال الكتاب ، وفي الخبر اشارة الى المعنى الأخير وانّ التّفويض الى الرّأى خاصّ به (ص) وليس لغيره ثمّ التّفويض بعده لاوصيائه ، فاذا كان إنزال الكتاب لحكومتك برأيك فاحكم بينهم برأيك أو رؤيتك (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) على خصمائهم برأى غيرك (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) ممّا هممت به أو فعلت من الخصومة عن قبل الخائنين (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) وقد نقل في نزولها ، انّ ثلاثة اخوة من بنى أبيرق نقبوا على عمّ قتادة بن النّعمان واخرجوا طعاما وسيفا ودرعا فشكا قتادة الى رسول الله (ص) وقال بنو أبيرق : هذا عمل لبيد ، وكان لبيد رجلا مؤمنا ، فمشى بنو أبيرق الى أسيد بن عروة من رهطهم وكان منطيقا ، فمشى الى رسول الله (ص) وقال : انّ قتادة رمى أهل بيت منّا أهل شرف وحسب ونسب بالسّرقة ، فاغتمّ رسول الله (ص) وجاء اليه قتادة فقال له رسول الله : رميت أهل بيت شرف وحسب ونسب بالسّرقة؟! وعاتبه فاغتمّ قتادة لذلك فأنزل الله في ذلك : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) (الى آخر الآيات) فنقول : لو سلّم انّ نزولها كان كذا مع انّه شبيه بموضوعات العامّة فالتّعريض بالامّة كأنّه قال : يا أمّة محمّد (ص) لا تغفلوا عمّا قال لكم محمّد (ص) وأعلمكم الله به من ولاية علىّ (ع) وسائر الأحكام فاذا حكمتم بحكم فليكن مطابقا لحكم الله ولتميّزوا بين الخائن وغيره ولا تكونوا للخائنين خصيما مع الصّالحين يعنى إذا توفّى محمّد (ص) ووقع النّزاع بينكم فاحكموا بما أعلمكم الله وبيّنه لكم رسوله (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) باقتراف المعاصي ولو فسّر أنفسهم بعلىّ (ع) والائمّة (ع) لم يكن بعيدا لما سبق من انّ الولاية المطلقة حقيقة كلّ ذي حقيقة ونفسيّة كلّ ذي نفس (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) هما للمبالغة والجملة في موضع التّعليل ، ونفى المحبّة في مثل المقام يفيد البغض اى انّ الله يبغض من كان خوّانا أثيما (يَسْتَخْفُونَ) خبر بعد خبر أو صفة بعد صفة أو استيناف جواب لسؤال مقدّر أو حال ، وجمعيّة الضّمير باعتبار معنى من يعنى يستترون (مِنَ النَّاسِ) للحياء أو للخوف منهم حين تبييتهم ما لا يرضى الله من القول (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) بيان لخيانتهم وكفى به خيانة مع الله ومع أنفسهم وقواهم ومع الرّسول (ص) (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ) يدبّرون