وملكا (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فيه أيضا معنى التّعليل (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) فيه تأكيد أكيد للتّقوى اشعارا بانّ ما ذكر على طريق المداراة معكم من التّقوى عن سوء العشرة وعن الفرقة فهو وصيّة قديمة وجديدة فما لكم لا تتّقون عن سوء العشرة وتنتهون في امر أزواجكم الى الفرقة ولقد جمع الله في هذه الوصيّة على سبيل الإجمال جميع ما ينبغي ان يوصى به فانّ تقوى الله عمّا لا يرضى ملاك ترك كلّ حرام ومكروه ومناط فعل كلّ واجب ومندوب (وَإِنْ تَكْفُرُوا) وتخرجوا من السّماء الّتى هي محلّ الطّاعة الى الأرض الّتى هي محلّ الشّرك والمعصية فلا تخرجوا من مملكته حتّى ينقص فيها شيء ولا حاجة له الى طاعتكم وتقويكم حتّى لا يقضى بترككم حاجته ، ولا يلحقه ذمّ بواسطة كفركم حتّى يحتاج في رفعه الى طاعتكم ، ولا حاجة له الى حفظكم لنفسه ومملكته حتّى تكونا بترككم الطّاعة غير محفوظتين (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً) فأقيم السّبب مقام الجزاء (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تأكيد للسّابق وتمهيد وتعليل لكونه وكيلا على كلّ شيء ومقتدرا على التّصرّف في كلّ شيء بأىّ نحو شاء (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) فلا حاجة له في الحفظ الى طاعتكم (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) فلا تخرجوا بكفركم عن تحت قدرته وتصرّفه (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) روى انّه لمّا نزلت هذه الآية ضرب النّبىّ (ص) يده على ظهر سلمان (ره) وقال : هم قوم هذا يعنى عجم الفرس ، والمراد انّه شاء ذلك ويأتى لا محالة بآخرين وهم قوم هذا (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) بترك التّقوى والكفر بالله فليطلبه بالتّقوى وطاعة الله حتّى يحصل له ثواب الدّنيا مع ثواب الآخرة فانّ من كانت الآخرة همّته كفاه الله همّته من الدّنيا (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فهو جواب لما عسى ان يقال : انّ تارك التّقوى لا يلتفت في طاعته وتركه الى حاجة لله اليه في شيء ممّا ذكر بل يريد ثواب الدّنيا ويظنّ انّه لا يحصل بالتّقوى ولذا أتى به مفصولا لا موصولا بالعطف (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) فاذا أطاعوا واتّقوا وطلبوا قالا أو حالا يسمعهم ويجيبهم ، وإذا لم يطلبوا وكان غرضهم ذلك أو لم يكن غرضهم ذلك ولكن كان حاجتهم اليه يبصر أغراضهم ومقدار حاجاتهم فيعطيهم من ثواب الدّنيا أيضا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) على يد محمّد (ص) بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة (كُونُوا قَوَّامِينَ) اثبتوا على هذا الوصف فانّ تخليل الكون للدّلالة على الثّبات والدّوام ، والقوّام الخارج عن الاعوجاج والمخرج نفسه وقواه وغيره عنه فانّه يستفاد من المبالغة السّراية الى الغير كما في الظّهور أو هو مأخوذ من قام عليه وبأمره إذا أصلحه (بِالْقِسْطِ) اى بالعدل فانّه بسبب التّسوية بين طرفي الإفراط والتّفريط في النّفس وبسبب تساوى طرفي النّزاع عند النّفس في النّزاع الخارجىّ يمكن الخروج والإخراج عن الاعوجاج ويجوز تعلّقه بقوله تعالى (شُهَداءَ) متحمّلين ومؤدّين للشّهادة خبر بعد خبر تفسير للاوّل أو حال كذلك (لِلَّهِ) لطلب رضا الله أو في شهادات الحسبة لانّ فيها صاحب الحقّ هو الله ، أو لله باعتبار مظاهره وخلفائه ولا سيّما أتمّ مظاهره الّذى هو علىّ (ع) والآية عامّة لكنّ المقصود والعمدة هو هذا فانّها توصية وتوطئة لتحمّل الشّهادة لعلىّ (ع) حين التمسه النّبىّ (ص) منهم بقوله : رحم الله امرء سمع فوعى ، ولأداء الشّهادة