(فصل)
في تنزيه الله سبحانه عن الحاجة
«والله تعالى غني» قال الإمام يحيى عليهالسلام :
لا خلاف في نفي الحاجة عن الله سبحانه بين أهل القبلة على اختلاف أهوائهم وتباين طرقهم ، ولا حكي الخلاف في احتياج ذاته عن غيرهم من الفرق المخالفة لملة الإسلام.
واعلم : أن بعض أهل علم الكلام يجعل هذه المسألة من صفات الإثبات وبعضهم يجعلها من صفات النفي ، ولهذا ترى كثيرا منهم يجعلها متوسطة بين صفات النفي وصفات الإثبات «خلافا لبعض أهل الملل الكفرية» كفنحاص اليهودي فإنه لمّا نزل قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (١) الآية قال : ما طلب القرض إلّا محتاج وهو منه على سبيل الهزء والسخرية بالقرآن لعنه الله تعالى.
وإلا فإنه لا يخفى على ذوي العقول أنه في الآية الكريمة على طريقة التمثيل والمجاز الذي هو أبلغ من الحقيقة.
وفي تكذيب أهل هذا القول نزل قوله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) (٢).
«قلنا» في الجواب عليهم : «لم يجبر الله تعالى» أي لم يقسر «من عصاه» على طاعته وقد أمرهم بطاعته فلو كان تعالى محتاجا إلى الطاعة لأجبرهم عليها مع قدرته على ذلك «ولم يوجد كل الأشياء دفعة» فلو كان تعالى محتاجا إلى الأشياء لأوجدها دفعة «مع قدرته على إجبار من عصاه وعلى إيجاد كل الأشياء دفعة ، ومع عدم المانع له تعالى» عن ذلك «فدل ذلك على غناه» جل وعلا.
«وأيضا لا يحتاج إلّا ذو شهوة أو نفار» والشهوة والنفار من أوصاف الأجسام «إذ هما عرضان لا يكونان إلّا في جسم والله تعالى ليس بجسم لما»
__________________
(١) البقرة (٢٤٥).
(٢) آل عمران (١٨١).