يخفى على أهل العقول كما قال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١) «فيبطل تقدير عدم الدليل على الله سبحانه مع وجود المستدل بخلاف العكس» وهو وجود الدليل فلا يلزم منه وجود المستدل «لجواز أن يخلق الله شيئا لا يعلم» أي غير عاقل «نحو الجماد قبل خلقه تعالى من يعلم» كما سيأتي إن شاء الله تعالى أن أول ما خلق الله الهواء.
«والجهل بوجه الدليل لا يبطل كونه دليلا لأن الجهل لا تأثير له في إبطال الأدلّة باتفاق العقلاء» وذلك واضح.
وقال بعض المعتزلة : لا يصح أن يخلق الله جمادا قبل أن يخلق حيوانا ينتفع به.
وهو باطل بما مرّ ولأنه يستحيل (٢) أن يوجد الحيوان لا في مكان والله أعلم.
(فصل)
«ولا مؤثّر حقيقة إلّا الفاعل» وهو : إما الله سبحانه وتعالى أو العبد المخلوق بما جعل الله له من الآلة التي هي القوّة والقدرة على الفعل سواء كان مختارا إن شاء فعل وإن شاء ترك ، أو مكرها على الفعل أو ملجئا إليه ، والحيوان غير العاقل بما ركّب الله سبحانه فيه من الحياة والقدرة وقال «بعض المعتزلة» وهم من أثبت المعاني منهم ، وأما من نفاها فهو ينفي العلل «والفلاسفة» قال أرسطاطاليس وبرقلس إن المؤثر في العالم علّة قديمة أوجبت العالم في الأزل ، وهي عندهم الباري تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
«وغيرهم» كالأشعرية والكرامية «بل» وغير الفاعل مؤثر حقيقة «و» هو «العلّة والسّبب» لأنهم قالوا : المؤثّرات ثلاثة ولا رابع لها : قالوا : لأن المؤثر إما أن يكون تأثيره على جهة الوجوب أولا ، الثاني : الفاعل المختار ، والأول إمّا
__________________
(١) الذاريات (٢٠ ، ٢١).
(٢) (ب) مستحيل.