قاموا في القتال والجهاد مع أنبيائهم أبلغ قيام بعزيمة صادقة ونيّة صحيحة لأنهم على بصيرة من دينهم وطمأنينة في أمرهم فهم بحبل الله مستمسكون وبدينه معتصمون ، إذا عرفت ذلك فالاختبار والابتلاء من الله سبحانه مجاز عبّر به عن الامتحان والتّمييز «فشبه الله الامتحان لتمييز صادق الإيمان» أي الرّاسخ إيمانه «من المتلبّس (١) به» وهو «على حرف» أي طرف لم يكن إيمانه براسخ «بالاختبار» أي شبّه الله ذلك الامتحان باختبار الجاهل من المخلوقين لمن يريد الوقوف على حقيقة أمره «فعبر الله عنه» أي عن الامتحان «بما هو بمعناه» أي بمعنى الامتحان وهو الاختبار : «من نحو قوله تعالى : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (٢) أي نختبركم بالشدائد فيتميّز بذلك من هو ثابت الإيمان وراسخ القدم فيه عمّن هو متلبّس به وهو على شفاء جرف هار بما يظهر من الأعمال عند ذلك والله سبحانه عالم بذلك قبل ظهوره لما في ذلك من الحكمة وهو الفرق بين ثابت الإيمان راسخ القدم فيه وبين المتلبّس به ، ولا يظهر الفرق إلّا بالامتحان لأن الله عزوجل لا يجازي إلّا على الأعمال «لا أنه تعالى اختبرهم مثل اختبار الجاهل» من الخلق لما يؤول إليه أمرهم لأنّ الجهل في حقه تعالى مستحيل.
وكذلك ما كان من نحو هذا كقوله في قصة أهل الكهف (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً ...) (٣) الآية أي ليظهر متعلّق العلم «والطّبع والختم» اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن قد يكونان «بمعنى التّغطية» يقال : طبع الإناء أي غطّاه وكذلك ختمه.
«وبمعنى العلامة» يقال : طبع على الشيء إذا جعل عليه علامة وكذلك ختم عليه وحتمه.
قالت «العدليّة : ولا يجوز أن يقال : إن الله ختم على قلوب الكفار وطبع بمعنى غطّى» عليها ومنعها من وصول الإيمان إليها لأن ذلك قبيح ينافي
__________________
(١) (ض) عمّن هو متلبس به.
(٢) محمد (٣١).
(٣) الكهف (١٢).