قال : واعلم : أنه لا عجب من المجبرة في القول بأن هذه الأفعال المتولدة من فعل الله تعالى مع قولهم بالجبر والتزامهم له ، إنما العجب من هؤلاء الجماهير من المعتزلة مع اعتزائهم إلى الفئة العدلية واعترافهم بالاختيار وكونهم خصوما للمجبرة في كل مقام : كيف قالوا بهذه المقالة ووقعوا في عميقات هذه الجهالة وكرعوا في آجن هذه الضّلالة ... إلى آخر كلامهعليهالسلام.
وقال «ابن الولهان : فعل المعصية ليس من فعل العبد بل من الشيطان يدخل في العبد فيغلبه على جوارحه ويتصرف فيها» على حسب إرادته ولا فعل للعبد فيها رأسا.
«قلنا : لو كان ذلك لم يجز العقاب عليها لأنّ ذلك» أي العقاب حينئذ «ظلم والله سبحانه يقول : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (١) ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢) أي لا يحمل مذنب ذنب مذنب آخر فكيف يعاقب العبد على فعل غيره ، مع أن مداخلة الشيطان للإنسان وتغلّبه على جوارحه يكون مغالبة لله سبحانه في فعله وأمره وذلك من أحول المحال.
واعلم : أن الداعي ليس شرطا في وجود الفعل من جهة فاعله بل يصح وقوعه من جهة القادر لا الداعي وقد بسطنا الكلام في ذلك في الشرح.
(فصل)
«وأفعال الله سبحانه أفعال قدرة لا غير» أي ما أراده الله جل وعلا كان ووجد وثبت من غير واسطة شيء.
فأفعاله عزوجل هي مخلوقاته لا فعل لله سبحانه غيرها من حركة ولا عرض يخلق بهما المخلوقات ولهذا قال عليهالسلام «وهي نفس المفعول عرضا كان» ذلك المفعول «أو جسما أو إفناء» أي إعدام الأشياء بخلاف فعل غيره تعالى فإنّما هو حركة أو سكون فقط.
وقالت «البصرية و» أحمد بن محمد بن عبد الرحمن «البرذعي ومحمد بن
__________________
(١) الكهف (٤٩).
(٢) فاطر (١٨).