اليقين من معرفة الله سبحانه «ألا ترى أن من وجد بناء في فلاة» أي مفازة لا حيّ بها «فإنه يعلم أن له» أي لذلك البناء «بانيا» بناه على تلك الكيفية «وليس ذلك» أي العلم ببانيه «إلّا بالقياس على ما شاهده من المبنيات المصنوعة بحضرته» أي بمشاهدته «لعدم المشاهدة منه لبانيه ، وعدم المخبر عنه ، والجامع بينهما» أي بين ما بني بحضرته وما لم يبن بحضرته «عدم الفارق» بين البناءين.
قلت (١) : وهم لا ينكرون حصول ذلك العلم به لكنهم (٢) جعلوه ضروريّا أوّليّا لا قياسا لعدم تحقق العلة كما عرفت «ولوروده» أي القياس العقلي «في السمع كقوله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٣) (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) و «نحوها» مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) ... الآية إلى قوله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ، ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ، وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) (٤). الآية فإن في هذه الآيات دلالة وتنبيها على القياس العقلي وهو : قياس النشأة الأخرى إن وقع فيها الريب على النشأة الأولى ، وعلى الأرض الميتة وهي الغبرى التي لا نبات فيها ولا شجر.
قلت : ولعلهم لا يخالفون في هذا والله أعلم.
(فرع)
«ووجود المستدل على الله تعالى لازم لوجود الدليل» أي يستحيل وجود المستدل على الله سبحانه ولا يوجد الدليل على ذلك «لأن وجوده» أي المستدل «هو نفس الدليل» ففي وجود نفس المستدل على الله سبحانه وصفاته ما لا
__________________
(١) (ب) وقد عرفت أنهم لا ينكرون.
(٢) (ض) ولكنهم.
(٣) يس (٧٩).
(٤) الحج (٥ ـ ٧).