«لنا قوله تعالى (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) (١).
قلت : والعمدة استقراء اللّغة ، فإن كان الرازق في اللغة هو خالق الرزق كان إطلاقه على نحو الواهب مجازا ، وإن كان الرازق في اللغة هو معطي الرزق كان إطلاقه عليه حقيقة والله أعلم وأما المجبرة فبنوا على قاعدتهم المنهدة.
(فصل)
«والتكسّب» أي السعي في طلب الرزق بالتجارة والإجارة ونحو ذلك «جائز» بل قد يكون واجبا إمّا لنفقة طفل أو زوجة أو أبوين وقد يكون مندوبا ومباحا ومكروها ومحظورا.
وقالت «الحشوية و» مثل قولهم ، «تدليس الصوفية» أي القول الذي تظهره الصوفية للتدليس على أغمار الناس : «لا يجوزالتكسب لمنافاته التوكل» الذي أمرنا به ، ولأنه لا يأمن الكاسب أن يغصب عليه ما كسبه ظالم فيتقوّى به على ظلمه ، ولأنه قد اختلطت الأموال والتبس الحلال بالحرام.
«و» أما «تحقيق مذهب الصوفية» فليس لأجل ذلك «بل لأن إباحته» أي إباحة الرزق «أغنته عن المشقّة» في طلب الرزق لأنهم يقولون إن الأموال مباحة.
«قلنا» ردّا عليهم «التكسب لم يناف التّوكل» لأنّ الزّارع يلقي بذره في الأرض متوكّلا على الله سبحانه في إنباته وسقيه وسلامته من الآفات.
ثم أهل السفر في البر والبحر يقطعون القفار ويخوضون البحار ابتغاء فضل الله متوكّلين عليه في سلامتهم وصرف العوائق عنهم وحصول الربح لهم «سيّما مع المخاطرة به» أي بالرزق «في القفار» التي هي مأوى اللصوص «وعلى متون أمواج البحار» التي لا يؤمن فيها عواصف الرياح وسكونها كما قال تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) ... الآية (٢).
__________________
(١) النساء (٨).
(٢) الشورى (٣٣).