لتعرف الطاعة والمعصية ويوقف على الحدود «كالخبر به» أي كما ورد بصيغة الخبر بالمباح فإن معرفة مراد الله تعالى منه واجبة ليعرف المكلف حكمه «والله تعالى مريد لأكل أهل الجنة» في الجنة وشرابهم وتلذّذهم بمنكوحاتهم وملبوساتهم وسائر نعيمهم «وفاقا لأبي هاشم» وخلافا لأبيه أبي علي قال «لأنه» من المباح.
قلنا : ليس كذلك إذ هو من الجزاء الذي أعدّه الله لأهل الجنة فإرادته تنعمهم (١) وتلذذهم به «أكمل للنعمة» عليهم من الله سبحانه ولقوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢).
«وإذ لا خلاف بين العقلاء أن الموفّر العطاء من أهل المروءة والسخاء» من المخلوقين الذين جبلوا على الحاجة «يريد أن يقبل المعطى ما وفّر إليه» ذلك المعطي بل يعلم من حاله الكراهة لعدم قبول عطاياه «والله تعالى بذلك أولى» لأنه الغني عن كل شيء وقد ورد بذلك الحديث عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قلت : ولا يبعد أن يريد الله سبحانه المباح بهذا الوجه لا لما ذكره البلخي من أنه شاغل عن المعصية ويؤيده ما روي عن النبيء صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه» أو كما قال والله أعلم.
إن قيل : فما هذه الإرادة في المباح وفي نعيم أهل الجنة وقد منعتم أن تكون الإرادة في حقه تعالى غير المراد أو غير العلم باشتمال الفعل على المصلحة أو المفسدة كما مر؟
فالجواب والله الموفق : أنها ما ذكرناه لاستحالة التشوّق وميل القلب في حقه تعالى فيكون الأمر بالمباح والإخبار به وتبيين حكمه وكذلك نعيم أهل الجنة مع نصب القرينة المرجحة للفعل على الترك من عقل أو نقل أو علمه
__________________
(١) (ض) نعيمهم.
(٢) المرسلات (٤٣).