الشرعية حكماً شرعياً بنفسه لا أنه دليل يستنبط منه الحكم (١) ، وذلك لأن مفاد حديث الرفع وأمثاله جعل الشارع لعدم الحكم والاباحة في موارد احتمال التكليف الغير المنجز ، فإذا كان مفاد أدلة البراءة حكماً شرعياً لم تكن البراءة حجة موصلة لحكم العمل ، بل هي نفسها حكم كلي يقوم الفقيه بتطبيقه على الموارد الجزئية كبقية القواعد الفقهية ، كقاعدة اليد والتجاوز والفراغ ولا ضرر التي تكون علاقتها بالحكم الجزئي علاقة الانطباق لا علاقة التوسيط الاثباتي كالقواعد الأصولية .
وتعليقنا على هذه النظرة أن المستفاد من أدلة البراءة الشرعية كما سيأتي في محله عدم تنجز احتمال التكليف وتنزيل وجود التكليف واقعاً بمنزلة عدمه ، لا أن مفادها إنشاء رفع الحكم أو جعل الترخيص وإطلاق العنان حتى يكون مؤادها حكماً شرعياً ، والا لكان عدم كل من الأحكام الخمسة حكماً شرعياً أيضاً فتصبح الأحكام عشرة لا خمسة ولا قائل بذلك ، فإذا لم تكن البراءة الشرعية حكماً شرعياً فإعمالها في مورد احتمال التكليف واسطة لإِثبات المعذرية عن التكليف المحتمل ، وهذا بنفسه كاف لعدها من لب المسائل الأصولية .
فإن قلت : إذا كان مفاد البراءة الشرعية عدم تنجز احتمال التكليف فهو متحد مع مفاد البراءة العقلية وهي قبح العقاب بلا بيان ، فلا فائدة في البحث عنها والغور في أدلتها ، للاستغناء عنها بحكم العقل العملي بأن العقاب بلا بيان ظلم قبيح .
قلت : هناك فرق واضح بين مفادي البراءتين بحيث لا يستغنى بالبحث في البراءة العقلية عنه في البراءة الشرعية وبالعكس ، لأن البراءة الشرعية أقوى ضماناً وأشد تأميناً للمكلف من العقوبة المحتملة عند احتمال التكليف من البراءة العقلية ، وذلك لوجهين :
__________________
(١) بحوث في علم الاصول للمحقق الاصفهاني : ٢٢ .