ونفس هذا التحليل الذي ذكرناه في قاعدة الطهارة يأتي في قاعدة الحل أيضاً المعبر عنها بقوله عليه السلام : « كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام » (١) ، كما أنه متصور في مدلول أصالة البراءة الشرعية المعبر عنها في النصوص « رفع ما لا يعلمون » (٢) ، فإن مفاد النص هل هو الترخيص الظاهري على نحو الاعتبار القانوني ، أم مفاده تنزيل الحكم الواقعي عند عدم العلم به منزلة المعدوم على نحو الاعتبار الأدبي ؟
وبيان ذلك : أن الإِنسان بطبعه لا يندفع نحو عمل ما الّا لأهمية المحتمل أو قوة الاحتمال عند المقايسة بينهما ، فإذا قال له الشارع المقدس « رفع ما لا يعلمون » فمفاد هذا القول هو بيان عدم أهمية المحتمل وتنزيله منزلة عدمه ، وفي مقابله قوله « احتط لدينك » (٣) فإنه اعتبار أدبي أيضاً مفاده تقوية الاحتمال أو بيان أهمية المحتمل ، باعتبار أن الإِنسان قد يحتمل شيئاً مهماً احتمالاً ضئيلاً لا يحركه نحو عمله فيقوم الشرع بتقوية ذاك الاحتمال حتى يكون محركاً نحو العمل ، أو أن المكلف قد لا يدرك مدى أهمية المحتمل فيأمره الشارع بالاحتياط كناية عن أهمية المحتمل .
إذن ففي هذه الأمثلة قد وقع الخلط من بعض الأعلام بسبب عدم الدقة في التمييز بين الاعتبار الأدبي والاعتبار القانوني .
المثال الثاني : جعل العلمية والطريقية في مثل قوله عليه السلام « فما أدى فعني يؤدي » (٤) ، حيث ذهب المحقق النائيني ( قده ) إلى أن معنى حجية الامارة هو اعتبارها علماً تعبداً (٥) ، وقد قلنا في موضعه أن جعل العلمية هل هو اعتبار
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٨٨ / ٢٢٠٥٠ .
(٢) الوسائل ١٥ : ٣٦٩ / ٢٠٧٦٩ .
(٣) الوسائل ٢٧ : ١٦٧ / ٣٣٥٠٩ .
(٤) الوسائل ٢٧ : ١٣٨ / ٣٣٤١٩ .
(٥) اجود التقريرات ٢ : ١٠٢ .