الحروفُ التى تربطُ الأسماءَ بالأفعال والاسماءَ بالاسماء وتبيينُ العِلَّة التى من أجلها وجبَتْ قِلَّتُها في الكلام مع أنها أكثَرُ في الاستعمال وأقوَمُ دَوْرا فيه ولنبدأ أوّلا بشرح العِلَّة التى من أجلها قَلَّت اذ هى من أهمِّ ما نقصِدُ له في هذا الباب فنقول إنه انما وجَب أن تكونَ حُرُوف المعانِى أقلَّ أقسامِ الكلامِ مع أنها أكثَرُها فى الاستعمال من قِبَل أنها انما يُحْتاج اليها لغيرِها من الاسمِ أو الفِعْل أو الجملةِ وليس كذلك غيْرُها لأنها يُحْتاج اليها في أنفسها فصارت هذه الحرُوف كالآلة وصار القِسْمانِ الآخرانِ اللذانِ هما الاسمُ والفعلُ كالعَمَل الذى هو الغرض في إعداد الآلة واعمالها وهذه علة ذكرها أبو على الفارسى وهى حسنة وغرضنا الآن أن نذكر أقلَّ ما تجىءُ عليه هذه الحروف وأكثَرَ ما تجىء عليه بزيادة وغير زيادةٍ ما يجىء على حرفٍ واحدٍ وهو القسمُ الذى يكْثُر في أعلَى مرتبةِ الكَثْرة لأن كونَه حَرْفا يقتضِى له ذلك من حيثُ هو كالجُزْء من الكلِمة وكونهُ كثيرًا في أعْلَى مرتبةٍ يقتضِى له ذلك أيضا فلما اجتمع فيه السبَبانِ المُوجِبان للايحاد وقَويَا وجب له أقلُّ ما يمكِن أن ينطق به من الحُرُوف وهو الحرف الواحد فقد قدمنا ذكر أقلِّ ما يَجِىء عليه واستوفيناه وعدَّةُ ما يكونُ على حرفٍ واحدٍ من هذه الحُرُوف ثلاثة عَشَر حَرْفا حرفانِ من حُروف العطف وهما الواوُ والفاءُ وخمسةٌ من حُروف الجَرِّ وهى الباءُ واللامُ والكافُ والواوُ والتاءُ الداخلةُ عليها وحرفٌ من حُرُوف الاستفهام وهو الألِفُ وواحدٌ من حُرُوف الجَزْم وهو لام الأمرِ وحرفان في جواب القسم وهما لامُ الابتداءِ ولامُ القسمِ التى تلزمُها النونُ في المضارِع وحرف التعريف وهو لام المعرِفة الساكنةُ المتوصَّلُ اليها باجتِلاب ألفِ الوصْل والسِّينُ التى معناها التَّنْفِيس في قولك سيَفْعَل فهذا جمعُ ما جاء على حرف واحد منها* ما يَجِىء على حرفيْنِ وهو في المرْتَبة الثانيةِ من كَثْرة الاستعمال وعدَّةُ ذلك ثلاثةٌ وثلاثُون حرفا من عشرةِ أقسامٍ أربعةٌ من حرُوف الجرِّ وهى مِنْ وعَنْ وفي ومُذْ ومثلُها من حروف العطف وهى أَمْ وبَلْ وأوْ ولا وخمسةٌ من حُرُوف الاستفهام وهى هَلْ وأَمْ وكَمْ ومَنْ وما الاستفهامِيَّتان وثلاثةٌ من حُرُوف الجزاءِ وهى إنْ ومَنْ وما ومثلُها من حروف النِّداء وهى يا وواو أىْ وحرفانِ من حُرُوف الجزم وهى لم ولا الناهيةُ وقد حكى أبو عبيدة أن من العرب