وكان ذلك الاختيار سبب وصول الخلافة إلى سفهاء بني أمية وإلى هرب بني هاشم منهم خوفا على أنفسهم وإلى قتل الصالحين والأخيار وإلى إحياء سنن الجبابرة والأشرار حتى وصل الأمر إلى خلافة الوليد بن يزيد الزنديق الذي تفال يوما بالمصحف فخرج فاله واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد (١) فرمى المصحف من يده وأمر أن يجعل هدفا ورماه بالنشاب! وأنشد يقول :
تهددني بجبار عنيد |
|
فها أنا ذاك جبار عنيد |
إذا ما جئت ربك يوم حشر |
|
فقل يا رب مزقني الوليد |
ولو كان المسلمون قد قنعوا باختيار الله ورسوله لهم وما نص النبي (ص) عليه من تعيين الخلافة في عترته ما وقع هذا الخلل والاختلاف في أمته وشريعته فصرنا نحن على موالاة بني هاشم ومواساتهم بأنفسنا ورأينا الذل بالوفاء لله ولرسوله معهم خيرا من العز بمخالفتهم والفقر بحفظ مخلفي نبينا (ص) خيرا من الغنى بإضاعتهم والخوف بقضاء حق إحسانه خيرا من الأمن بكفرانه والقتل معهم خيرا من الحياة مع أعداء الله وأعداء رسوله وأعدائهم ومضى أعمار سلفنا على هذا ونحن على ذلك الآن ولما وجد أسلافنا قدره على نصره بني هاشم أيام مروان وقضاء بعض حقوق الله تعالى فيهم وحقوق رسوله (ص) تعاهدنا على قتل النفوس في خدمتهم وهلاك أعدائهم وشفينا صدورهم من بني أمية ورددنا العز العترة الهاشمية.
فهل كان معنا أحد من رؤساء هؤلاء الأربعة المذاهب أو أتباعهم؟ لأن فيهم من تأخر زمانه أو تقدم أوانه فظفرنا نحن بهذه الفضيلة في خدمتهم ونصرتهم ولئن غلبنا أصحاب الأربعة المذاهب الآن بالكثرة واختصوا في الظاهر بتالف خلفاء بني هاشم لهم وصرنا نحن البعداء في ظاهر الأمر فلا تعتقد
__________________
(١) إبراهيم : ١٥.