وسكنات ومكروهات ومحبوبات ومستحسنات ومستقبحات فإنها من فعل الله في العباد ، وقوم منهم ذكروا أن الله سبحانه قهرهم ومنعهم من الاختيار في كل مكروه أو مراد ، ويلحق بهؤلاء من كان منهم يقول : إن الله يخلق الأعمال والعبد يكتسبها منه الكسب عندهم لا يوجبها ولا يوجدها وإنما يوجبها ويوجدها على قولهم الله تعالى وهي صادرة عنه.
ويقال لهم : هل يقدر العبد على ترك الكسب؟ فإن قالوا : نعم فقد قالوا بالاختيار وحصل الوفاق ، وإن قالوا : لا يقدر على ترك الكسب ، فقد ساووا المجبرة في تصريحهم بأن العباد مجبورون ومقهورون.
ثم يقال لمن قال منهم إن العباد مجبرون : ما معنى قولكم إنهم مجبرون؟ فإن العقلاء ما يعرفون حقيقة الجبر للعبد إلا إذا كان العبد مختارا فجبره غيره ومنعه من اختياره ، وأنتم تزعمون أن العبد ما كان مختارا قط ولا كان له فعل على الحقيقة ، فما معنى قولكم إن العباد مجبرون؟ أفلا يتفكرون فيما يقولون؟ فما نراه إلا خلاف اصطلاح العقلاء وضد تحقيق الفضلاء.
وزاد عليهم من كان يذهب من اتباع أحمد بن حنبل إلى أن الله جسم مستقر على عرشه بجوارح بشرية ، وقال قوم منهم : إن الله تعالى ينزل إلى الأرض في صورة شاب ، ورووا في ذلك أخبارا يكذبها العقول الصحيحة.
فأما ذهبوا إلى أن الله جبر العباد وقهرهم على معصيته ومنعهم عن طاعته! وإن كلما ظهر أو وقع منهم فإنه منه وإنه لا فاعل سواه ، فما أدري كيف التبس عليهم أنهم فاعلون بالاختيار؟ وكل عاقل يعلم من نفسه بل من غيره أيضا ضرورة بديهية إنه فاعل بالإيثار ، وإذا جهل الإنسان هذا من نفسه وهو أوضح من جميع البديهيات فكيف يبقى له طريق إلى شئ من العلوم والدلالات. ويدل على أن الجاحدين لما قلناه مكابرون إن الإنسان إذا رماه إنسان بحجر