فإنه يذم الرامي متى علم منه القصد لاذاه ويذمه من علم ذلك منه من العقلاء ، ولو كان يعلم أحد العقلاء أو يجوز إن الله قد أكره الرامي على الرمي كما أن الحجر مكره على الرمي لكان الحجر والرامي سواء ، والمعلوم عند جميع العقلاء خلاف ذلك ، ويغلب الظن أن إبليس ما كان يطمع أن يبلغ هذه الغاية من إضلالهم والتلبيس عليهم ، ولا أعلم من أي طريق دخل عليهم ولأي ذنب أعمى أبصارهم وأفسد عقولهم حتى قالوا هذا واحتملوا ما لا يرضى أحد بقوله ويستبعد ممن يعتقد ذلك أو يلزم به قولا أن ينفعه دلالة أو هداية ، وإذا كان عقول هؤلاء قد بلغت من النقصان أو المرض إلى أنهم يعرفون من أنفسهم إن أفعالهم منهم أو يستحسنون المكابرة والجحود لذلك مع العلم به.
فبأي سبيل يفهمون أو يقبلون ما يقال لهم ، أو بأي دين يرجعون إلى الحق إذا ورد عليهم شبهة.
ومما يستدل به على اختلاف عقولهم أو مكابرتهم للحق ، أنه لو كان الأمر كما ذكروه من أنه لا فاعل في العالم سوى الله كان يلزمهم أن يكون الله قد أرسل الرسل إلى نفسه وأنزل الكتب على نفسه وكان كل وعد ووعيد وتهديد صدر على لسان الملائكة والأنبياء والرسل والأوصياء وفي كتبه فإنه يكون على قول المجبرة قد وعد بذلك نفسه وتوعد لنفسه وتهدد نفسه ، وهذا قول ما صرح به أحد من العقلاء وذوي الألباب.
وهذا الالزام يلزم المجبرة أكثر من سائر الالزامات لأنه إذا ما كان في العالم فاعل سوى الله تعالى ، فإلى من أرسل الرسل ، وعلى من أنزل الكتب ، ولمن تهدد ولمن وعد وتوعد ، ولمن يأمر وينهى ، فقد بان لك أن كل من قال بقول المجبرة واعتقده على غاية من الضلال واختلال الأحوال.
ثم إذا كان عندهم يجوز يضل العباد ويجبرهم على الفساد ويلبس عليهم