هذا لا يقع أبدا ، وكيف يكون فعل فاعل لذاته وهو الله سبحانه كفعل فاعل لغيره وهر العبد؟ ولو قدرنا وهو تقدير لا يقع أن العبد يقع منه فعل مثل فعل الله تعالى ما اقتضى كونه يفعل مثل فعل الله أن يكون شريكا لله تعالى ، فإن العقلاء المتفرقين والمنفردين والمتقاطعين نجد في أفعالهم مثل أفعال من فارقوه وقاطعوه وما اقتضى التماثل في الأفعال الشركة بينهم بحال من الأحوال ، عافاكم الله من هذا الاختلال.
ومن طرائف ما رأيت للمجبرة أنهم يذكرون أنه متى اعتقدوا إن العباد يقدرون أن يفعلوا شيئا باختيار هم كان ذلك دليلا على عجز الله حيث يقع منهم ما لا يريد المعاصي ، فأقول :
ما أحوجكم إلى طبيب يداوي ما أمرضتموه من عقولكم ، وإلى متى لا ينجلي هذه الظلمة عن بصائركم ، أي عجز يلحق بالمالك إذا كان عبده مختارا سواء فعل العبد ما يكره المولى أو ما يحب ، ومن المعلوم أنه لو أراد المولى قهر عبده قهره أو موته أماته فأي عجز هاهنا للمولى وأي مقاهرة أو مغالبة للعبد.
ومما يدل على غلطهم في ذلك أيضا إن كل عاقل يعلم أن سلطان الإسلام يؤثر أن يكون اليهودي الوحيد الضعيف مظهرا للإسلام ومع هذا فإن اليهودي على خلاف ما يريد السلطان ، ولا يدل ذلك على عجز سلطان الإسلام عن قهر اليهودي عن إظهار الإسلام ولا يعتقد عاقل أن السلطان عاجز لأجل بقاء ذلك اليهودي على إظهار كفره.
ومما يدل على غلطهم أيضا إن كل عاقل يعلم أن السلطان إذا أقطع مملوكا له أقطاعا وقال له : قد مكنتك في هذه الاقطاع والرعية مدة معلومة عندي فإن أحسنت إليهم جازيتك بالإحسان وإن أسأت إليهم عاقبتك ، فمضى المملوك إلى أقطاعه فظلم الرعية وسار فيهم بخلاف ما يريد السلطان أفيكون ذلك