جرى بينهم من الاختلاف واستباحة بعضهم دم بعض وذم بعضهم بعضا ما قد عرفه أكثر أهل الملل ، وقد تقدمت رواياتهم عن نبيهم أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقاتلهم بأمر نبيهم وكانوا من الصحابة وسفكت الدماء بين الفريقين.
ومن طريف ما رأيت من المناقضة لهم شهادتهم بتزكية الصحابة جميعهم ثم شهادتهم بأن نبيهم أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين منهم.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكر في الحديث الثامن من المتفق عليه قال عن النبي " ص " أنه : إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار(١).
(قال عبد المحمود) : فانظر رحمك الله في هذه المناقضات وأعجب وأبعد من اعتقاد أهل هذه المقالات ، ثم كيف لم يكن لهذه الفرقة الرافضة أسوة بالصحابة فيما فعلوا في أنفسهم؟ وكيف صار أهل الذمة أخف على قلوبهم وأقرب إليهم من هذه الفرقة؟ وأهل الذمة يقولون عن نبيهم وصحابته وأهل بيته وخاصته كل عظيمة ويرمونهم بكل قبيحة ، وإذا خلى الذمي مع مثله في أكثر أوقاته فلعله يلتذ بتقبيح ذكر نبيهم وصحابته وأهل ملته ويدينون بذلك ، ويعتقدون أنهم لو وجدوا من ينصرهم عليهم سفكوا دماءهم وتملكوا نساءهم وزالوا خلافتهم وممالكهم واستعبدوهم وجعلوهم تحت أقدامهم وانتقموا منهم لإحيائهم وأمواتهم.
فكيف صارت الرافضة باعتقاد خطأ بعض الصحابة أبعد إلى هؤلاء المسلمين من أهل الذمة؟ وكيف صار أهل الذمة أقرب إلى هؤلاء المسلمين من الرافضة ، لولا أن هؤلاء المعتقدين لذلك من هؤلاء الأربعة المذاهب معاندون أو جهال بالمعقول
__________________
(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢١٤ كتاب الفتن.