وكابروا فيها المعقول والمنقول ، وناقضوا بها العادات ، وما قدموه من الروايات التي أجمعوا على صحتها ، وإنهم مع قولهم إن نبيهم محمدا " ص " كان أعقل العقلاء وأفضل الأنبياء ، وأنه كان شفيقا على أمته ورحيما لأهل ملته ، وأنه ما كان يسافر عنهم حتى يجعل لهم من ينوبه فيهم وينظر في مصالحهم ، وأنه كان إذا نفذ سرية أو جيشا يقول إن قتل أميركم فالأمير فلان فإن قتل فلان ففلان الآخر عوضه ، ورووا في ذلك أخبارا في صحاحهم.
فمنها ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والخمسين من أفراد مسلم من مسند عبد الله بن عمر قال : أمر النبي " ص " في غزوة موتة زيد بن حارثة وقال : إن قتل زيد فجعفر ، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة.
وكل ذلك فعله نبيهم لئلا يقع بينهم اختلاف ولئلا ينشر أمرهم ، وإن شفقته عليهم بلغت إلى أنه أمرهم ألا يبيت أحد منهم إلا ووصيته تحت رأسه ، وأنه من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية ، ورووا في ذلك أخبارا.
فمنها في بعض ما ذكرناه ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن والستين بعد المائة من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله " ص " قال : ما حق امرء مسلم له شئ يريد أن يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده. (١).
وقد تقدم من روايتهم عنه " ص " في صحاحهم أنه أوصى أن الأمر في قريش ، ثم عين على بني هاشم وأهل بيته ، وجعلهم خلفاء بعد وفاته ، وتقدم أيضا رواياتهم عنه في تعيينه علي بن أبي طالب عليه السلام في عدة مقامات بروايات متواترة.
__________________
(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٤٩.