وأبو عبيدة واغتنموا اختلاف الأنصار ومن حضر السقيفة وتوسلوا إلى مبايعة أبي بكر ، وبالله عليك هل ترى يستبعد من هؤلاء الأنصار وأمثالهم أن يتركوا النص على علي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة حسدا له ولبني هاشم ويبايعوا أبا بكر لأغراض دنيوية ، وأنهم كانوا يطمعون من أبي بكر بما لا يرجون من علي ابن أبي طالب عليه السلام من التماس الولايات والأموال منه بغير حقها.
وانظر رحمك الله كيف أحوجوا نبيهم إلى أن قطع الخطبة ومنعوه مما كان قد شرع فيه من التألم من المنافق عبد الله بن أبي سلول ولم يتمكن من الانتصاف من رجل واحد ، حيث كان لهم أغراض فاسدة في منعه من ذلك واختلفوا عليه فاقتصر على الامساك ، فهلا كان حال علي عليه السلام معهم وحالهم معه كما جرت الحال مع نبيهم في اختلافهم واختلالهم.
(ومن طريف ما يدل على أن الصحابة يختارون الدنيا على الله والرسول قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقه " (١) ، وتقدم روايات الأربعة المذاهب بأن هذه الآية لم يعمل بها غير علي ابن أبي طالب عليه السلام ، فانظر مضمون تلك الروايات ومضمون قوله تعالى " أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات " (٢) وكيف لا يعلم بيقين من هذه الآيات إن هؤلاء اختاروا طلب المال الحقير الفاني على ما أتاهم ويأتيهم من معرفة دينهم وآخرتهم من المخاطبات معه صلوات الله عليه ، وكان قيمة دينهم وسعادة آخرتهم أقل من قيراط وأقل منه أن يصدقوا ويناجوا مع رسولهم ، فكيف يستبعد من هؤلاء الجماعة أن يخالفوا رسولهم بعد وفاته في طلب الملك العقيم والولايات وبلوغ الشهوات واللذات.
__________________
(١) المجادلة. ١٢.
(٢) المجادلة : ١٣.