إليهم ، وهذا جميعه قد وقع منهم في حياة نبيهم ووقت المراقبة له والخوف منه والرجاء له ، فكيف يستبعد من هؤلاء أن يخالفوه بعد وفاته؟ بل كيف يثق عاقل من هؤلاء أنهم يتركون أغراضهم الدنيوية وأحقادهم وحسدهم لأهل الفضائل وطلبهم الدنيا بعد نبيهم ، ما يستبعد ذلك مع معرفته بهذه الأسباب إلا من لا يعد من ذوي الألباب.
ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص في الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم قال : إن النبي " ص " قال : إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف : نكون كما أمرنا الله فقال رسول الله ص " : تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ، وفي رواية ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين ، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض (١).
(قال عبد المحمود) : انظر رحمك الله إلى ما قد شهدوا به من ذم نبيهم لأصحابه ، فكيف يستبعد من قوم يكونون بهذه الصفات أن يخالفوا نبيهم في الحياة وبعد الوفاة.
ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في مسند المسيب بن حزن بن أبي وهب من أفراد البخاري أن سعيد بن المسيب حدث أن جده حزنا قد قدم على النبي " ص " فقال : ما اسمك؟ قال : اسمي حزن ابن أبي وهب. قال بل أنت سهل. قال : لست أغير اسما سمانيه أبي. وفي رواية أخرى من الحديث المذكور لا أغير اسما سمانيه أبي. قال المسيب : فما زالت فينا الحزونة بعد (٢).
__________________
(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٧٤ كتاب الزهد.
(٢) البخاري في صحيحه : ٧ / ١١٧ وفيه " أباه " بدل جده.