أن المسح غسل ، وهذا الذي عدلت اليه من أوضح الفساد من وجوه :
منها : أن معنى الغسل وحقيقته يخالف في اللغة وحقيقتها معنى المسح ، لان الغسل هو اجراء الماء على العضو المغسول والمسح هو مس العضو بالماء من غير أن يجريه عليه ، فكأنه قيل للماسح : ند العضو بالماء ولا تسله عليه. وقيل للغاسل : لا تقتصر على هذا القدر بل أسله على العضو وأجره.
فالمعنيان متضادان كما تراه ، وكيف يقال : ان أحدهما هو الأخر؟ بل ولا يصح ما يقوله الفقهاء من أن أحدهما داخل في الأخر ، لأنا قد بينا تنافي المعنيين ، وما يتنافى لا يتداخل.
ولو جاز أن يسمى على الحقيقة الماسح غاسلا ويدعى دخول المسح في الغسل ، لوجب أن يسمى من دفق إيجاد الكثير على بدنه وصبه عليه ورش (١) الماء على بدنه وتقطر الماء عليه ، لان الدفق والصب يزيد على معنى الرش والتقطير ، ويوجب أن يكون من على رأسه عمامة طويلة ، يصح أن يقال : على رأسه تكة أو خرقة ، لان العمامة تشتمل على هذه المعاني ، وقد علمنا أن أحدا لا يطيق ذلك ولا يجيزه.
ومنها : ان لو سلمنا اشتراك ذلك في اللغة ، وان كان غير صحيح على ما بيناه ، لكان الشرع وعرف أهله يمنع من ذلك ، لان أهل الشرع كلهم قد فرقوا بين المسح والغسل وخالفوا بينهما ، ولهذا جعلوا بعض أعضاء الطهارة ممسوحا وبعضها مغسولا ، وفرقوا بين قول القائل فلان يرى أن الفرض في الرجلين المسح وبين قولهم يرى الغسل.
ومنها : أن الرءوس إذا كانت ممسوحة المسح الذي لا يدخل في معنى الغسل
__________________
(١) ظ : أنه.