وكلمة «لا» هاهنا محذوفة. لأنه تعالى لم يحرم علينا أن لا نشرك به. وإنما حرم علينا أن نشرك به. ومنها قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) وكلمة «لا» محذوفة. والتقدير : أقسم بيوم القيامة. ومنها قوله (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها : أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٢) وكلمة «لا» هاهنا محذوفة ، وإلا لكان يجب رجوعهم إلى الدنيا. وهو باطل بالإجماع. فكان التقدير : وحرام على قرية أهلكناها : إنهم يرجعون. وأما الإضمار فكثير منها : قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ : أَكِنَّةً ، أَنْ يَفْقَهُوهُ) (٣) والتقدير : لئلا يفقهوه. لأن تأثير الأكنة في أن لا يفقه ، لا في أن يفقهه. ومنها قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (٤) قال بعضهم : التقدير يبين الله لكم لئلا تضلوا.
وبالجملة : فالقرآن مملوء من الحذف والإضمار ، بحيث ينقلب النفي
__________________
ـ الحرام : لا تشركوا. لأنهم إذا حرموا ما أحل الله فقد جعلوا غير الله في القبول منه بمنزلة الله سبحانه ، فصاروا بذلك مشركين. ويجوز أن يكون أن لا تشركوا به شيئا محمولا على المعنى فيكون المعنى : أتل عليكم ألا تشركوا ، أي أتل عليكم تحريم الشرك ، ويجوز أن يكون على معنى أوصيكم أن لا تشركوا به شيئا لأن قوله (وبالوالدين إحسانا) محمول على معنى أوصيكم بالوالدين إحسانا.
(١) أول القيامة. و «لا» ليست زائدة. فإن الآية مثل آية (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) يقول الإمام الزمخشري رحمهالله : «والوجه : أن يقال : هي للنفي. والمعنى في ذلك : إنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له يدلك عليه : قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) فكأنه بإدخال حرف النفي يقول : إن إعظامي له بإقسامي به ، كلا إعظام ، يعني : أنه يستأهل فوق ذلك.
(٢) سورة الأنبياء ، آية : ٩٥ و «لا» ليست زائدة. فإنه قبل الآية : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ ، وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) والمعنى : أنه ممتنع في الوجود. رجوع الكفار إلى الدنيا للعمل الصالح بعد موتهم. وفي مجمع البيان : «وحرام إن شئت رفعته بالابتداء لاختصاصه بما جاء بعده من الكلام ، وخبره محذوف وتقديره : «وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون» مقتضى أو ثابت أو محكوم عليه. وإن شئت جعلت «لا» زائدة. والمعنى : حرام على قرية أهلكناها رجوعهم ، كما قال : «فلا يستطيعون توصية ، ولا إلى أهلهم يرجعون» وإن شئت جعلته خبر مبتدأ وأضمرت مبتدأ ـ كما ذكرت ـ ويكون المعنى : حرام على قرية أهلكناها بالاستئصال رجوعهم ، لأنهم لا يرجعون. وتكون «لا» غير زائدة. والمعنى : حرام عليهم أنهم ممنوعون من ذلك».
(٣) سورة الكهف ، آية : ٥٧.
(٤) سورة النساء ، آية : ١٧٦.