أغرى بين النصارى واليهود ، فيما كان يفعله كل فريق منهم من ضروب الكفر بالله. وإنكار القبيح ليس بقبيح ، بل هو حسن. فدل ذلك على أن تلك العداوة ، ليست من القبائح.
والجواب : إن إنكار القبيح إنما يحسن إذا أنكره ، لكونه قبيحا. أما إذا أنكره لغرض أن يدعوه إلى قبيح آخر ؛ كان قبيحا. وحينئذ يحصل المطلوب.
الحجة التاسعة عشر : قوله تعالى : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، مِنْ رَبِّكَ : طُغْياناً وَكُفْراً. وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) والاستدلال به من وجهين:
الأول : إن قوله : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ، ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ : طُغْياناً وَكُفْراً) معناه : أن إسماع الله إياهم هذه الآيات ، اقتضى أن يحصل لهم زيادة ميل ورغبة في الكفر. إذا ثبت هذا فنقول : إسماع تلك الآيات ، اقتضى ترجيح فعل الكفر على فعل الإيمان. وقد دللنا على أن عند حصول الرجحان يجب الفعل. فثبت : أن إسماع الله تعالى إياهم هذه الآيت ، يستلزم حصول الكفر. وذلك ينافي قول المعتزلة.
والوجه الثاني في الاستدلال : قوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) والاستدلال به كما تقدم.
الحجة العشرون : الاستدلال بجميع آيات الهدى والضلال. وسنفرد لذلك بابا على سبيل الاستقصاء. ولنقتصر من ذكر الدلائل القرآنية على هذا القدر. فإن من وقف على ما ذكرناه ، أمكنه الاستدلال بآيات القرآن من وجوه كثيرة ، خارجة عن الحصر. وبالله التوفيق.
__________________
(١) سورة المائدة ، آية : ٦٤.