فكل ميسر. أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة» قال : «ثم تلا هذه الآية : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١).
والاستدلال بهذا الحديث ، كما تقدم تقريره في الحديث الثالث.
واعلم : أن هذا الحديث تصريح بما اخترناه من أن مجموع القدرة والداعي ، يوجب الفعل وذلك لأن صلاحية الآلة وسلامة الأعضاء ، حاصل بالنسبة إلى الطاعة والمعصية ، وإلى اليسرى والعسرى. إلا أنه إن حصلت داعية الطاعة ، فذاك هو التيسير لليسرى. وإن حصلت داعية المعصية. فذاك هو التيسير للعسرى.
وأما قول السائل : أفلا نتكل على الكتاب السابق؟ فلا جواب عنه إلا ما ذكره سيد البشر عليهالسلام. وذلك لأن حصول اليسرى تارة ، والعسرى أخرى ، إنما كان بواسطة هذه الدواعي والبواعث. فأهل الشقاوة هم الذين تيسرت لهم دواعي الفساد ، وأهل السعادة هم الذين تيسرت لهم دواعي الطاعات. فإن الداعية توجب الفعل ، وحصول الفعل يوجب الأثر في الدار الآخرة. وكيف يقال : إنا نترك الفعل ، ونجد أثر ذلك الفعل؟.
الحجة الخامسة : ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن طاوس اليماني ، أنه قال : أدركت ناسا من أصحاب رسول الله عليهالسلام ، يقولون : كل شيء بقدر الله ، وسمعت عبد الله بن عمرو ، يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل شيء بقدر ، حتى العجز والكيس» والاستدلال بالخبر : ظاهر. وتقريره من حيث العقل : إن كل ما سوى الله ممكن ، وكل ممكن محتاج. وذلك يدخل فيه الأفعل والأقوال والأحوال والأخلاق.
الحجة السادسة : ما رواه مسلم في صحيحه ، بإسناده عن جابر ، قال :
__________________
(١) سورة الليل ، آية : ٤ ـ ١٠.